للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يفسر الأول بالتأثر الذي هو الحاصل بالمصدر لتتوافق القراءتان، وقيل الأرض بالفتح جمع أرضة وإضافة دَابَّةُ إليه من إضافة العام إلى الخاص، وقيل: إن الأرض بالسكون بمعناها المعروف وإضافة دَابَّةُ إليها قيل لأن فعلها في الأكثر فيها، وقيل لأنها تؤثر في الخشب ونحوه كما تؤثر الأرض فيه إذا دفن فيها وقيل غير ذلك والأولى التفسير الأول وإن لم تجىء الأرض في القرآن بذلك المعنى في غير هذا الموضع، وقوله تعالى: تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ في موضع الحال من دَابَّةُ أي آكلة منسأته والمنسأة العصا من نسأت البعير إذا طردته لأنها يطرد بها أو من نسأته إذا أخرته ومنه النسيء، ويظهر من هذا أنها العصا الكبيرة التي تكون مع الراعي وأضرابه.

وقرأ نافع وابن عامر وجماعة «منساته» بألف وأصله منسأته فأبدلت الهمزة ألفا بدلا غير قياسي.

وقال أبو عمرو: أنا لا أهمزها لأني لا أعرف لها اشتقاقا فإن كانت مما لا تهمز فقد احتطت وإن كانت مما تهمز فقد يجوز لي ترك الهمز فيما يهمز، ولعله بيان لوجه اختيار القراءة بدون همزة وبالهمز جاءت في قول الشاعر:

ضربت بمنسأة وجهه ... فصار بذاك مهينا ذليلا

وبدونه في قوله:

إذا دببت على المنساة من هرم ... فقد تباعد منك اللهو والغزل

وقرأ ابن ذكوان وبكار والوليد بن أبي عتبة وابن مسلم وآخرون «منسأته» بهمزة ساكنة وهو من تسكين المتحرك تخفيفا وليس بقياس، وضعف النحاة هذه القراءة لأنه يلزم فيها أن يكون ما قبل تاء التأنيث ساكنا غير ألف، وقيل:

قياسها التخفيف بين بين والراوي لم يضبط، وأنشد هارون بن موسى الأخفش الدمشقي شاهدا على السكون في هذه القراءة قول الراجز:

صريع خمر قام من وكأته ... كقومة الشيخ إلى منسأته

وقرىء بفتح الميم وتخفيف الهمزة قلبا وحذفا و «منساءته» بالمد على وزن مفعالة كما يقال في الميضأة وهي آلة التوضؤ وتطلق على محله أيضا ميضاءة، وقرىء «منسيته» بإبدال الهمزة ياء. وقرأت فرقة منهم عمرو بن ثابت عن ابن جبير «من» مفصولة حرف جر «ساته» بجر التاء وهي طرف العصا وأصلها ما انعطف من طرفي القوس ويقال فيه سية أيضا استعيرت لما ذكر إما استعارة اصطلاحية لأنها كانت خضراء فاعوجت بالاتكاء عليها على ما ستسمعه إن شاء الله تعالى في القصة أو لغوية باستعمال المقيد في المطلق، وبما ذكر علم رد ما قاله البطليوسي بعد ما نقل هذه القراءة عن القراء أنه تعجرف لا يجوز أن يستعمل في كتاب الله عزّ وجلّ ولم يأت به رواية ولا سماع ومع ذلك هو غير موافق لقصة سليمان عليه السّلام لأنه لم يكن معتمدا على قوس وإنما كان معتمدا على عصا. وقرىء «أكلت منسأته» بصيغة الماضي فالجملة إما حال أيضا بتقدير قد أو بدونه وإما استئناف بياني.

فَلَمَّا خَرَّ أي سقط تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أي علمت بعد التباس أمر سليمان من حياته ومماته عليهم أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ أنهم لو كانوا يعلمون الغيب كما يزعمون لعلموا موته زمن وقوعه فلم يلبثوا بعده حولا في الأعمال الشاقة إلى أن خر، والمراد بالجن الذين علموا ذلك ضعفاء الجن وبالذين نفي عنهم علم الغيب رؤساؤهم وكبارهم على ما روي عن قتادة، وجوز عليه أن يراد بالأمر الملتبس عليهم أمر علم الغيب أو المراد بالجن الجنس بأن يسند للكل ما للبعض أو المراد كبارهم المدعون علم الغيب أي علم المدعون علم الغيب منهم عجزهم وأنهم لا يعلمون الغيب، وهم وإن كانوا عالمين قبل ذلك بحالهم لكن أريد التهكم بهم كما تقول

<<  <  ج: ص:  >  >>