للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفيض منها فذلك قوله سبحانه: ثُمَّ أَفِيضُوا الآية ومعناها ثُمَّ أَفِيضُوا أيها الحجاج من مكان أفاض جنس الناس منه قديما وحديثا، وهو عرفة لا من مزدلفة، وجعل الضمير عبارة عن الحمس يلزم منه بتر النظم إذ الضمائر السابقة واللاحقة كلها عامة والجملة معطوفة على قوله تعالى: فَإِذا أَفَضْتُمْ ولما كان المقصود من هذه التعريض كانت في قوة ثم لا تفيضوا من المزدلفة وأتى- بثم- إيذانا بالتفاوت بين الإفاضتين في الرتبة بأن إحداهما صواب، والأخرى خطأ، ولا يقدح في ذلك أن التفاوت إنما يعتبر بين المتعاطفين لا بين المعطوف عليه وما دخله حرف النفي من المعطوف لأن الحصر ممنوع، وكذا لا يضر انفهام التفاوت من كون أحدهما مأمورا به، والآخر منهيا عنه كيفما كان العطف لأن المراد أن كلمة ثُمَّ تؤذن بذلك مع قطع النظر عن تعلق الأمر والنهي، وجوز أن يكون العطف على- فاذكروا- ويعتبر التفاوت بين الإفاضتين أيضا كما في السابق بلا تفاوت، وبعضهم جعله معطوفا على محذوف أي أفيضوا إلى منى ثُمَّ أَفِيضُوا إلخ وليس بشيء كالقول بأن في الآية تقديما وتأخيرا، والتقدير «ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم- ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واستغفروا» وإذا أريد بالمفاض منه المزدلفة وبالمفاض إليه منى- كما قال الجبائي- بقيت كلمة ثُمَّ على ظاهرها لأن الإفاضة إلى منى بعيدة عن الإفاضة من- عرفات- لأن الحاج إذا أفاضوا منها عند غروب الشمس يوم عرفة يجيئون إلى المزدلفة ليلة النحر ويبيتون بها فإذا طلع الفجر وصلوا بغلس ذهبوا إلى قزح فيرقون فوقه أو يقفون بالقرب منه ثم يذهبون إلى وادي محسر ثم منه إلى منى، والخطاب على هذا عام بلا شبهة، والمراد من الناس الجنس كما هو الظاهر- أي من حيث أفاض الناس كلهم قديما وحديثا، وقيل: المراد بهم إبراهيم عليه السلام وسمي ناسا لأنه كان إماما للناس، وقيل: المراد هو وبنوه، وقرىء- «الناس» - بالكسر أي الناسي والمراد به آدم عليه السلام لقوله تعالى في حقه:

فَنَسِيَ [طه: ١١٥] وكلمة- ثم- على هذه القراءة للإشارة إلى بعد ما بين الإفاضة من عرفات والمخالفة عنها بناء على أن معنى ثم أفيضوا عليها ثم لا تخالفوا عنها لكونها شرعا قديما كذا قيل فليتدبر وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ من جاهليتكم في تغيير المناسك ونحوه إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ للمستغفرين رَحِيمٌ بهم منعم عليهم فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ أي أديتم عباداتكم الحجية وفرغتم منها فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أي كما كنتم تذكرونهم عند فراغ حجكم بالمفاخر، روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان أهل الجاهلية يجلسون بعد الحج فيذكرون أيام آبائهم وما يعدون من أنسابهم يومهم أجمع فأنزل الله تعالى ذلك أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً إما مجرور معطوف على الذكر بجعل الذكر ذاكرا على المجاز والمعنى- واذكروا الله ذكرا كذكركم آباءكم أو كذكر أشد منه وأبلغ- أو على ما أضيف إليه بناء على مذهب الكوفيين المجوزين للعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الخافض في السعة بمعنى- أو كذكر قوم أشد منكم ذكرا- وإما منصوب بالعطف على آباءَكُمْ وذِكْراً من فعل المبني للمفعول بمعنى أو كذكركم أشد مذكورية من آبائكم، أو بمضمر دل عليه المعنى أي ليكن ذكركم الله تعالى أشد من ذكركم آباءكم أو كونوا أشد ذكرا لله تعالى منكم لآبائكم كذا قيل، واختار في البحر أن يكون أَشَدَّ نصب على الحال من ذكرا المنصوب- باذكروا- إذ لو تأخر عنه لكان صفة لو وحسن تأخر ذِكْراً لأنه كالفاصلة ولزوال قلق التكرار إذ لو قدم لكان التركيب فاذكروا الله كذكركم آباءكم، أو اذكروا ذكرا أشد، وفيه أن الظاهر على هذا الوجه أن يقال أو أشد بدون ذِكْراً بأن يكون معطوفا على كذكركم صفة للذكر المقدر وأن المطلوب الذكر الموصوف بالأشدية لا طلبه حال الأشدية فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ جملة معترضة بين الأمرين المتعاطفين للحث والإكثار من ذكر الله تعالى وطلب ما عنده، وفيها تفصيل للذاكرين مطلقا حجاجا أو غيرهم كما هو الظاهر إلى مقل لا يطلب بذكر الله تعالى إلا الدنيا ومكثر يطلب خير الدارين، وما نقل عن بعض المتصوفة من قولهم إن عبادتنا لذاته تعالى فارغة من

<<  <  ج: ص:  >  >>