للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أكرم رسله وأفضلهم عليهم الصلاة والسلام، وثُمَّ للتراخي الرتبي فإن إيحاء الكتاب إليه صلّى الله عليه وسلم أشرف من الإيراث المذكور كأنه كالعلة له وبه تحققت نبوته عليه الصلاة والسلام التي هي منبع كل خير وليست للتراخي الزماني إذ زمان إيحائه إليه عليه الصلاة والسلام هو زمان إيراثه، وإعطائه أمته بمعنى تخصيصه بهم وجعله كتابهم الذي إليه يرجعون وبالعمل بما فيه ينتفعون، وإذا أريد بإيراثه إياهم إيراثه منه صلّى الله عليه وسلم وجعلهم منتفعين به فاهمين ما فيه بالذات كالعلماء أو بالواسطة كغيرهم بعده عليه الصلاة والسلام فهي للتراخي الزماني، والتعبير عن ذلك بالماضي لتحققه، وجوز أن يكون معنى أَوْرَثْنَا الْكِتابَ حكمنا بإيراثه وقدرناه على أنه مجاز من إطلاق السبب على المسبب فتكون ثم للتراخي الرتبي وإلا فزمان الحكم سابق على زمان الإيحاء.

ووجه التعبير بالماضي عليه ظاهر. وفي شرح الرضي أن ثم قد تجيء في عطف الجمل خاصة لاستبعاد مضمون ما بعدها عن مضمون ما قبلها وعدم مناسبته له كما في قوله تعالى: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ [هود:

٣، ٩٠] فإن بين توبة العباد وهي انقطاع العبد إليه تعالى بالكلية وبين طلب لمغفرة بونا بعيدا وهذا المعنى فرع التراخي ومجازه اهـ.

وابن الشيخ جعل ما هنا كما في هذه الآية، وجوز أن يكون ثُمَّ أَوْرَثْنَا إلخ متصلا بما سبق من قوله تعالى:

إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً [البقرة: ١١٩] وإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ [فاطر: ٢٤] والمراد ثم أورثنا الكتاب من الأمم السالفة وأعطيناه بعدهم الذين اصطفيناهم من الأمة المحمدية، والكتاب القرآن كما قيل:

وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ [الشعراء: ١٩٦] وقيل لا يحتاج إلى اعتبار ذلك ويجعل المعنى ثم أخرنا القرآن عن الأمم السالفة وأعطيناه هذه الأمة، ووجه النظم أنه تعالى قدم إرساله في كل أمة رسولا وعقبه بما ينبىء أن تلك الأمم تفرقت حزبين حزب كذبوا الرسل وما أنزل معهم وهم المشار إليهم بقوله تعالى: فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ [فاطر: ٢٥] وحزب صدقوهم وتلوا كتاب الله تعالى وعملوا بمقتضاه وهم المشار إليهم بقوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إلخ وبعد أن أثنى سبحانه على التالين لكتبه العاملين بشرائعه من بين المكذبين بها من سائر الأمم جاء بما يختص برسوله صلّى الله عليه وسلم من قوله سبحانه: وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ إلخ استطرادا معترضا ثم أخبر سبحانه بإيراثه هذا الكتاب الكريم هذه الأمة بعد إعطاء تلك الأمم الزبر والكتاب المنير، وعلى هذا يكون المعنى في أَوْرَثْنَا على ظاهره، وثم للتراخي في الأخبار أو للتراخي في الرتبة إيذانا بفضل هذا الكتاب على سائر الكتب وفضل هذه الأمة على سائر الأمم، وفي هذا الوجه حمل الكتاب في قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ على الجنس وجعل الآية ثناء على الأمم المصدقين بعد اقتصاص حال المكذبين منهم، فإن دفع ما فيه فهو من الحسن بمكان. وجوز أن يكون عطفا على إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وإذا كان إيراث الكتاب سابقا على تلاوته فالمعنى على ظاهره وثم للتفاوت الرتبي أو للتراخي في الأخبار وَالَّذِي أَوْحَيْنا إلخ اعتراض لبيان كيفية الإيراث لأنه إذا صدقها بمطابقته لها في العقائد والأصول كان كأنه هي وكأنه انتقل إليهم ممن سلف، وهو كما ترى، وجوز على هذا وما قبله أن يراد بالكتاب الجنس، ولا يخفى أن إرادة القرآن هو الظاهر، وقيل المراد بالمصطفين علماء الأمة من الصحابة ومن بعدهم ممن يسير بسيرتهم وإيراثهم القرآن جعلهم فاهمين معناه واقفين على حقائقه ودقائقه أمناء على أسراره.

وروى الإمامية عن الصادق والباقر رضي الله تعالى عنهما أنهما قالا: هي لنا خاصة وإيانا عنى أرادا أن أهل البيت أو الأئمة منهم هم المصطفون الذين أورثوا الكتاب

، واختار هذا الطبرسي الإمامي قال في تفسيره مجمع البيان: وهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>