أقرب الأقوال لأنهم أحق الناس بوصف الاصطفاء والاجتباء وإيراث علم الأنبياء عليهم السّلام.
وربما يستأنس له
بقوله عليه الصلاة والسلام:«إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله تعالى وعترتي لن يفترقا حتى يردا على الحوض»
وحملهم على علماء الأمة أولى من هذا التخصيص ويدخل فيهم علماء أهل البيت دخولا أوليا ففي بيتهم نزل الكتاب ولن يفترقا حتى يردا الحوض يوم الحساب، وإذا كانت الإضافة في عِبادِنا للتشريف واختص العباد بمؤمني هذه الأمة وكانت من للتبعيض كأن حمل المصطفين على العلماء كالمتعين، وعن الجبائي أنهم الأنبياء عليهم السّلام اختارهم الله تعالى وحباهم رسالته وكتبه، وعليه يكون تعريف الكتاب للجنس والعطف على قوله تعالى: وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ وثم للتراخي في الأخبار، أخبر سبحانه أولا عما أوتيه نبينا صلّى الله عليه وسلم وهو متضمن للأخبار بإيتائه عليه الصلاة والسّلام الكتاب على أكمل وجه ثم أخبر سبحانه بتوريث إخوانه الأنبياء عليهم السّلام وإيتائهم الكتب، ومما يرد عليه أن إيتاء الأنبياء عليهم السّلام الكتب قد علم قبل من قوله تعالى: فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ [فاطر: ٢٥] .
وعن أبي مسلم أنهم المصطفون المذكورون في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ [آل عمران: ٣٣] وهو دون ما قبله، وأيا ما كان فالموصول مفعول أول لأورثنا، والْكِتابَ مفعول ثان له قدم لشرفه والاعتناء به وعدم اللبس، ومن للبيان أو للتبعيض فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ الفاء للتفصيل لا للتعليل كما قيل، وضمير الجمع على ما سمعت أولا في تفسير الموصول للموصول، والظالم لنفسه من قصر في العمل بالكتاب وأسرف على نفسه وهو صادق على من ظلم غيره لأنه بذلك ظالم لنفسه والمشهور مقابلته بالظالم لغيره، واللام للتقوية.
وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ يتردد بين العمل به ومخالفته فيعمل تارة ويخالف أخرى، وأصل معنى الاقتصاد التوسط في الأمر وَمِنْهُمْ سابِقٌ متقدم إلى ثواب الله تعالى وجنته بِالْخَيْراتِ أي بسبب الخيرات أي الأعمال الصالحة، وقيل: سابق على الظالم لنفسه والمقتصد في الدرجات بسبب الخيرات، وقيل: أي محرز الفضل بسببها بِإِذْنِ اللَّهِ أي بتيسيره تعالى وتوفيقه عزّ وجلّ، وفيه تنبيه على عزة منال هذه الرتبة وصعوبة مأخذها، وفسر بمن غلبت طاعته معاصيه وكثر عمله بكتاب الله تعالى، وما ذكر في تفسير الثلاثة مما يشير إليه كلام الحسن فقد روي عنه أنه قال:
الظالم من خفت حسناته والمقتصد من استوت والسابق من رجحت، ووراء ذلك أقوال كثيرة فقال معاذ: الظالم لنفسه الذي مات على كبيرة لم يتب منها والمقتصد من مات على صغيرة ولم يصب كبيرة لم يتب منها والسابق من مات تائبا من كبيرة أو صغيرة أو لم يصب ذلك، وقيل الظالم لنفسه العاصي المسرف والمقتصد متقي الكبائر والسابق المتقي على الإطلاق، وقيل الأول المقصر في العمل والثاني العامل بالكتاب في أغلب الأوقات ولم يخل عن تخليط والثالث السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار.
وقيل الأولان كما ذكر والثالث المداوم على إقامة مواجب الكتاب علما وعملا وتعليما، وقيل: الأول من أسلم بعد الفتح والثاني من أسلم قبله والثالث من أسلم قبل الهجرة، وقيل: هم من لا يبالي من أين ينال ومن قوته من الحلال ومن يكتفي من الدنيا بالبلاغ، وقيل: من همه الدنيا ومن همه العقبى ومن همه المولى، وقيل: طالب النجاة وطالب الدرجات وطالب المناجاة، وقيل: تارك الزلة وتارك الغفلة وتارك العلاقة، وقيل: من شغله معاشه عن معاده ومن شغله بهما ومن شغله معاده عن معاشه وقيل: من يأتي بالفرائض خوفا من البار ومن يأتي بها خوفا منها ورضا واحتسابا ومن يأتي بها رضا واحتسابا فقط، وقيل: الغافل عن الوقت والجماعة والمحافظ على الوقت دون الجماعة والمحافظ