للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر كفاية، وقدم الظالم لنفسه لكثرة الظالمين لأنفسهم وعقب بالمقتصد لقلة المقتصدين بالنسبة إليهم وأخر السابق لأن السابقين أقل من القليل قاله الزمخشري، وحكى الطبرسي أن هذا الترتيب على مقامات الناس فإن أحوال العباد ثلاث معصية ثم توبة ثم قربة فإذا عصى العبد فهو ظالم فإذا تاب فهو مقتصد فإذا صحت توبته وكثرت مجاهدته فهو سابق، وقيل: قدم الظالم لئلا ييأس من رحمة الله تعالى وأخر السابق لئلا يعجب بعمله فتعين توسيط المقتصد، وقال قطب الدين: النكتة في تقديم الظالم أنه أقرب الثلاثة إلى بداية حال العبد قبل اصطفائه بإيراث الكتاب فإذا باشره الاصطفاء فمن العباد من يتأثر قليلا وهو الظالم لنفسه ومنهم من يتأثر تأثرا وسطا وهو المقتصد ومنهم من يتأثر تأثرا تاما وهو السابق، وقريب منه ما قيل: إن الاصطفاء مشكك تتفاوت مراتبه وأولها ما يكون للمؤمن الظالم لنفسه وفوقه ما يكون للمقتصد وفوق الفوق ما يكون للسابق بالخيرات فجاء الترتيب كالترقي في المراتب، وقيل: أخر السابق لتعدد ما يتعلق به فلو قدم أو وسط لبعد في الجملة ما بين الأقسام المتعاطفة ولما كان الاقتصاد كالنسبة بين الظلم والسبق اقتضى ذلك تقديم الظالم وتأخير المقتصد ليكون المقتصد بين الظالم والسابق لفظا كما هو بينهما معنى، وقد يقال:

رتب هذه الثلاثة هذا الترتيب ليوافق حالهم في الذكر بالنسبة إلى ما وعدوا به من الجنات في قوله سبحانه جَنَّاتُ عَدْنٍ الآية حالهم في الحشر عند تحقق الوعد فأخر السابق الداخل في الجنان أولا ليتصل ذكره بذكر الجنات الموعود بها وذكر قبله المقتصد وجعل السابق فاصلا بينه وبين الجنات لأنه إنما يدخلها بعده فيكون فاصلا بينه وبينها في الدخول وذكر قبلهما الظالم لنفسه لأنه إنما يدخلها ويتصل بها بعد دخولهما فتأخير السابق في المعنى تقديم وتقديم الظالم في المعنى تأخير، ويحتمل ذلك أوجها أخرى تظهر بالتأمل فتأمل، وقرأ أبو عمران الجوني وعمر بن أبي شجاع ويعقوب في رواية والقزاز عن أبي عمرو «سباق» بصيغة المبالغة ذلِكَ أي ما تقدم من الإيراث والاصطفاء هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ من الله عزّ وجلّ لا دخل للكسب فيه جَنَّاتُ عَدْنٍ مبتدأ خبره قوله تعالى: يَدْخُلُونَها ويؤيده قراءة الجحدري وهارون عن عاصم «جنات» بالنصب على الاشتغال أي يدخلون جنات عدن يدخلونها واحتمال جره بدلا من الخيرات بعيد وفيه الفصل بين البدل والمبدل منه بأجنبي فلا يلتفت إليه.

وضمير الجمع للذين اصطفينا أو للثلاثة. وقال الزمخشري: ذلك إشارة إلى السبق بالخيرات وجَنَّاتُ عَدْنٍ بدل من الفضل الذي هو السبق ولما كان السبق بالخيرات سببا لنيل الثواب جعل نفس الثواب إقامة للسبب مقام المسبب ثم أبدل منه وضمير الجمع للسابق لأن القصد إلى الجنس، فخص الوعد بالقسم الأخير مراعاة لمذهب الاعتزال وهو على ما سمعت للأقسام الثلاثة وذلك هو الأظهر في النظم الجليل ليطابقه قوله تعالى بعد وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ وليناسب حديث التعظيم والاختصاص المدمج في قوله سبحانه ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ وإلا فأي تعظيم في ذلك الذكر بعد أن لز أكثر المصطفين في قرن الكافرين وليناسب ذكر الغفور بعد حال الظالم والمقتصد والشكور حال السابق ولتعسف ما ذكره من الاعراب وبعده عن الذوق وكيف لا يكون الأظهر وقد فسره كذلك أفضل الرسل ومن أنزل عليه هذا الكتاب المبين على ما مر آنفا وإليه ذهب الكثير من أصحابه الفخام ونجوم الهداية بين الأنام رضي الله تعالى عنهم وعد منهم في البحر عمر وعثمان وابن مسعود وأبا الدرداء وأبا سعيد وعائشة رضي الله تعالى عنهم، وقد أخرج سعيد بن منصور والبيهقي في البعث عن البراء بن عازب أنه قال بعد أن قرأ الآية:

أشهد على الله تعالى أنه يدخلهم الجنة جميعا، وأخرج غير واحد عن كعب أنه قرأ الآية إلى لُغُوبٌ فقال دخلوها ورب الكعبة، وفي لفظ كلهم في الجنة ألا ترى على أثره وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ نعم إن أريد بالظالم لنفسه الكافر يتعذر رجوع الضمير إلى ما ذكر ويتعين رجوعه إلى السابق وإليه وإلى المقتصد لأن المراد بهما الجنس لكن لا

<<  <  ج: ص:  >  >>