للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينبغي أن يراد بعد هاتيك الأخبار، وقرأ زر بن حبيش والزهري «جنة عدن» بالأفراد والرفع وقرأ أبو عمرو «يدخلونها» بالبناء للمفعول ورويت عن ابن كثير، وقوله تعالى: يُحَلَّوْنَ فِيها خبر ثان لجنات أو حال مقدرة، وقيل: إنها لقرب الوقوع بعد الدخول تعد مقارنة وقرى «يحلون» بفتح الياء وسكون الحاء وتخفيف اللام من حليت المرأة فهي حالية إذا لبست الحلي ويقال جيد حال إذا كان عليه الحلي مِنْ أَساوِرَ جمع سوار على ما في الإرشاد، وفي القاموس السوار ككتاب وغراب القلب كالأسوار بالضم جمعه أسورة وأساور وأساورة وسور وسؤور اهـ، وإطلاق الجمع على جمع الجمع كثير فلا مخالفة، وسوار المرأة معرب كما قال الراغب وأصله دستواره، ومن للتبعيض أي يحلون بعض أساور كأنه بعض له امتياز وتفوق على سائر الأبعاض، وجوز أن تكون للبيان لما أن ذكر التحلية مما ينبىء عن الحلي المبهم، وقيل: زائدة بناء على ما يرى الأخفش من جواز زيادتها في الإثبات، وقيل: نعت لمفعول محذوف ليحلون وأنه بمعنى يلبسون ومِنْ في قوله تعالى: مِنْ ذَهَبٍ بيانية وَلُؤْلُؤاً عطف على محل مِنْ أَساوِرَ أي ويحلون فيها لؤلؤا.

أخرج الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلّى الله عليه وسلم تلا الآية فقال: إن عليهم التيجان إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب

، وقيل: عطف على المفعول المحذوف أو منصوب بفعل مضمر يدل عليه يُحَلَّوْنَ أي ويؤتون لؤلؤا. وقرأ جمع من السبعة «لؤلؤ» بالجر عطفا على ذَهَبٍ أي يحلون فيها بعض أساور من مجموع ذهب ولؤلؤ بأن تنظم حبات ذهب مع حبات لؤلؤ ويتخذ من ذلك سوار كما هو معهود اليوم في بلادنا أو بأن يرصع الذهب باللؤلؤ كما يرصع ببعض الأحجار، وقيل: أي من ذهب في صفاء اللؤلؤ، وفيه ما فيه من الكدر.

ولعل من يقول بأنه لا اشتراك بين ذهب الدنيا ولؤلؤها وذهب الآخرة ولؤلؤها إلا بالاسم لا يلتزم النظم ولا الترصيع كما لا يخفى، وقرىء «لؤلؤا» بتخفيف الهمزة الأولى وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ أي إبريسم محض كما في مجمع البيان، وقال الراغب: مارق من الثياب. وتغيير الأسلوب حيث لم يقل ويلبسون فيها حريرا قيل للإيذان بأن ثبوت اللباس لهم أمر محقق غني عن البيان إذ لا يمكن عراؤهم عنه وإنما المحتاج إلى البيان إن لباسهم ماذا بخلاف الأساور واللؤلؤ فإنها ليست من اللوازم الضرورية ولذا لا يلزم العدل بين الزوجات فيها فجعل بيان تحليتهم مقصورا بالذات، ولعل هذا هو الباعث على تقديم التحلية على بيان حال اللباس، وقيل: إن ذلك للدلالة على أن الحرير ثيابهم المعتادة مع المحافظة على هيئة الفواصل وليس بذاك وَقالُوا أي ويقولون.

وصيغة الماضي للدلالة على التحقق الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ حزن تقلب القلب وخوف العاقبة على ما روي عن القاسم بن محمد، وقال أبو الدرداء: حزن أهوال القيامة وما يصيب من ظلم نفسه هنالك.

وأخرج الحاكم وصححه: وابن أبي حاتم وغيرهما عن ابن عباس حزن النار. وقال الضحاك حزن الموت يقولون ذلك إذا ذبح الموت، وقال مقاتل: حزن الانتقال يقولون ذلك إذا استقروا فيها، وقال قتادة: حزن أن لا تنقبل أعمالهم، وقال الكلبي: خوف الشيطان، وقال سمرة بن جندب: حزن معيشة الدنيا الخبز ونحوه، وعن ابن عباس حزن الآفات والأعراض وقيل: حزن كراء الدار والأولى أن يراد جنس الحزن المنتظم لجميع أحزان الدين والدنيا والآخرة، وكل ما سمعت من باب التمثيل وقد تقدم

في الحديث «إن الذين ظلموا أنفسهم هم الذين يقولون»

أي بعد أن يتلقاهم الله تعالى برحمته الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إلخ فلا تغفل وقرىء الحزن بضم الحاء وسكون الزاي ذكره جناح بن حبيش إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ للمذنبين شَكُورٌ للمطيعين.

وأخرج ابن المنذر وغيره عن ابن عباس أنه قال في ذلك غفر لنا العظيم من ذنوبنا وشكر لنا القليل من أعمالنا،

<<  <  ج: ص:  >  >>