للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الكشاف ذكر الشكور دليل على أن القوم كثير والحسنات، وكان عليه أن يقول: وذكر الغفور دليل على أنهم كثير والفرطات فينطبق على الفرق ولا ينفك النظم ولكن منعه المذهب الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ أي دار الإقامة التي لا انتقال عنها أبدا وهي الجنة مِنْ فَضْلِهِ من إنعامه سبحانه وتفضله وكرمه فإن العمل وإن كان سببا لدخول الجنة في الجملة لكن سببيته بفضل الله عزّ وجلّ أيضا إذ ليس هناك استحقاق ذاتي، ومن علم أن العمل متناه زائل وثواب الجنة دائم لا يزول لم يشك في أن الله تعالى ما أحل من أحل دار الإقامة إلا من محض فضله سبحانه وقال الزمخشري: أي من إعطائه تعالى وإفضاله من قولهم لفلان فضول على قومه وفواضل وليس من الفضل الذي هو التفضل لأن الثواب بمنزلة الأجر المستحق والتفضل كالتبرع وفيه من الاعتزال ما فيه لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ أي تعب وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ كلال وفتور وهو نتيجة النصب، وضمه إليه وتكرير الفعل المنفي للمبالغة في بيان انتفاء كل منهما كذا قال جمع من الأجلة، وقال بعضهم: النصب التعب الجسماني واللغوب التعب النفساني.

وأخرج ابن جرير عن قتادة أنه فسر النصب بالوجع والكلام من باب:

لا ترى الضب بها ينجحر والجملة حال من أحد مفعولي أحل.

وقرأ علي كرّم الله تعالى وجهه والسلمي «لغوب» بفتح اللام

، قال الفراء:

هو ما يغب به كالفطور والسحور، وجاز أن يكون صفة لمصدر محذوف أي لا يمسنا فيها لغوب لغوب نحو شعر شاعر كأنه وصف اللغوب بأنه قد لغب أي أعيى وتعب.

وقال صاحب اللوامح: يجوز أن يكون مصدرا كالقبول وإن شئت جعلته صفة لمضمر أي أمر لغوب.

وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ أي لا يحكم عليهم بموت ثان فَيَمُوتُوا ليستريحوا بذلك من عذابها بالكلية وإنما فسر لا يقضي بما ذكر دون لا يموتون لئلا يلغوا فيموتوا ويحتاج إلى تأويله بيستريحوا.

ونصب يموتوا في جواب النفي بإضمار أن والمراد انتفاء المسبب لانتفاء السبب أي ما يكون حكم بالموت فكيف يكون الموت. وقرأ عيسى والحسن «فيموتون» بالنون عطفا كما قال أبو عثمان المازني على يُقْضى كقوله تعالى: لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ أي لا يقضى عليهم ولا يموتون وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها المعهود لهم بل كلما خبت زيد إسعارها، والمراد دوام العذاب فلا ينافي تعذيبهم بالزمهرير ونحوه، ونائب فاعل يخفف عَنْهُمْ ومن عذابها في موضع نصب ويجوز العكس، وجوز أن تكون من زائدة فيتعين رفع مجرورها على أنه النائب عن الفاعل على ما قال أبو البقاء وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو «ولا يخفف» بإسكان الفاء شبه المنفصل بالمتصل كقوله:

فاليوم أشرب غير مستحقب كَذلِكَ أي مثل ذلك الجزاء الفظيع نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ مبالغ في الكفر أو الكفران لا جزاء أخف وأدنى منه.

وقرأ أبو عمرو وأبو حاتم عن نافع «يجزى» بالياء مبنيا للمفعول و «كلّ» بالرفع على النيابة عن الفاعل وقرىء «نجازي» بنون مضمومة وألف بعد الجيم وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها افتعال من الصراخ وهو شدة الصياح والأصل يصترخون فأبدلت التاء طاء ويستعمل كثيرا في الاستغاثة لأن المستغيث يصيح غالبا، وبه فسره هنا قتادة فقال:

يستغيثون فيها، واستغاثتهم بالله عزّ وجلّ بدليل ما بعده وقيل ببعضهم لحيرتهم وليس بذاك.

رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ بإضمار القول أي ويقولون بالعطف أو يقولون بدونه على أنه تفسير لما قبله أو قائلين على أنه حال من ضميرهم، وتقييد العمل الصالح بالوصف المذكور للتحسر على ما عملوه

<<  <  ج: ص:  >  >>