للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نذير لنكونن أهدى من كل واحدة من الأمم اليهود والنصارى وغيرهم فتؤمن جميعا ولا يكذب أحد منا أو المعنى لنكونن أهدى من أمة يقال فيها إحدى الأمم تفضيلا لها على غيرها من الأمم كما يقال هو واحد القوم وواحد عصره وكما قالوا هو أحد الأحدين وهي إحدى الأحد يريدون التفضيل في الدعاء والعقل، قال الشاعر:

حتى استشاروا بي إحدى الأحد ... ليثا هزبرا ذا سلاح معتمد

وقد نص ابن مالك في التسهيل على أنه قد يقال لما يستعظم مما لا نظير له هو إحدى الأحد لكن قال الدماميني في شرحه: إنما ثبت استعماله في إحدى ونحوه المضاف إلى جمع مأخوذ من لفظه كإحدى الأحد وأحد الأحدين أو المضاف إلى وصف كأحد العلماء وإحدى الكبر أما في المضاف إلى أسماء الأجناس كالأمم فيحتاج إلى نقل، وبحث فيه بأنه قد ثبت استعمال إحدى في الاستعظام من دون إضافة أصلا فإنهم يقولون للداهية العظيمة هي إحدى من سبع أي إحدى الليالي عاد في الشدة وشاع واحد قومه وأوحدهم وأوحد أمه ولم يظهر فارق بين المضاف إلى الجمع المأخوذ من اللفظ والمضاف إلى الوصف وبين المضاف إلى أسماء الأجناس ولا أظن أن مثل ذلك يحتاج إلى نقل فليتدبر.

وقال صاحب الكشف: إن دلالة إِحْدَى الْأُمَمِ على التفضيل ليست بواضحة بخلاف واحد القوم ونحوه ثم وجهها أنه على أسلوب. أو يرتبط بعض النفوس حمامها. يعني أن البعض المبهم قد يقصد به التعظيم كالتنكير فإحدى مثله، وفيه أنه متى ثبت استعماله للإستعظام كانت دلالته على التفضيل في غاية الوضوح.

فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ وأي نذير وهو أشرف الرسل محمد صلّى الله عليه وسلم كما روي عن ابن عباس وقتادة وهو الظاهر، وعن مقاتل هو انشقاق القمر وهو أخفى من السها والمقام عنه يأبى ما زادَهُمْ أي النذير أو مجيئه إِلَّا نُفُوراً تباعدا عن الحق وهربا منه، وإسناد الزيادة إلى ذلك مجاز لأنه هو السبب لها. والجملة جواب لها.

واستدل بالآية على حرفيتها المكان النفي المانع عن عمل ما بعده فيها، وفيه بحث، وقوله تعالى: اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ بدل من نُفُوراً وقال أبو حيان: الظاهر أنه مفعول من أجله، ونقل الأول عن الأخفش، وقيل: هو حال أي مستكبرين وَمَكْرَ السَّيِّئِ هو الخداع الذي يرومونه برسول الله صلّى الله عليه وسلم والكيد له، وقال قتادة هو الشرك وروى ذلك عن ابن جريج، وهو عطف على اسْتِكْباراً وأصل التركيب وأن مكروا السيّء على أن السَّيِّئِ صفة لموصوف مقدر أي المكر المسيء ثم أقيم المصدر مقام أن والفعل وأضيف إلى ما كان صفة، وجوز أن يكون عطفا على نُفُوراً وقرأ الأعمش وحمزة «السيّء» بإسكان الهمزة في الوصل إجراء له مجرى الوقف أو لتوالي الحركات وإجراء المنفصل مجرى المتصل، وزعم الزجاج أن هذه القراءة لحن لما فيها من حذف الإعراب كما قال أبو جعفر.

وزعم محمد بن يزيد أن الحذف لا يجوز في نثر ولا شعر لأن حركات الإعراب دخلت للفرق بين المعاني، وقد أعظم بعض النحويين أن يكون الأعمش قرأ بها، وقال: إنما كان يقف على هذه الكلمة فغلط من أدى عنه، والدليل على هذا أنها تمام الكلام ولذا لم يقرأ في نظيرها كذلك مع أن الحركة فيه أثقل لأنها ضمة بين كسرتين، والحق أنها ليست بلحن، وقد أكثر أبو علي في الحجة من الاستشهاد والاحتجاج للإسكان من أجل توالي الحركات والوصل بنية الوقف، وقال ابن القشيري: ما ثبت بالاستفاضة أو التواتر أنه قرىء به فلا بدّ من جوازه ولا يجوز أن يقال لحن، ولعمري أن الإسكان هاهنا أحسن من الإسكان في بارِئِكُمْ [البقرة: ٥٤] كما في قراءة أبي عمرو، وروي عن

<<  <  ج: ص:  >  >>