ابن كثير «ومكر السأي» بهمزة ساكنة بعد السين وياء بعدها مكسورة وهو مقلوب السيّء المخفف من السيّء كما قال الشاعر:
ولا يجزون من حسن بسيىء ... ولا يجزون من غلظ بلين
وقرأ ابن مسعود «مكرا سيئا» عطف نكرة على نكرة وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ أي لا يحيط إِلَّا بِأَهْلِهِ.
وقال الراغب: أي لا يصيب ولا ينزل، وأيا ما كان فهو إنما ورد فيما يكره، وزعم بعضهم أن أصل حاق حق فجيء بدل أحد المثلين بالألف نحو ذم وذام وزل وزال، وهذا من إرسال المثل ومن أمثال العرب: من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا، وعن كعب أنه قال لابن عباس: قرأت في التوراة من حفر مغواة وقع فيها قال: أنا وجدت ذلك في كتاب الله تعالى فقرأ الآية،
وفي الخبر «لا تمكروا ولا تعينوا ماكرا فإن الله تعالى يقول ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ولا تبغوا ولا تعينوا باغيا فإن الله سبحانه يقول إنما بغيكم على أنفسكم»
وقد حاق مكر هؤلاء بهم يوم بدر.
والآية عامة على الصحيح والأمور بعواقبها والله تعالى يمهل ولا يهمل ووراء الدنيا الآخرة وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وبالجملة من مكر به غيره ونفذ فيه المكر عاجلا في الظاهر ففي الحقيقة هو الفائز والماكر هو الهالك، أسأل الله تعالى بحرمة حبيبه الأعظم صلّى الله عليه وسلم أن يدفع ويرفع عنا مكر الماكرين وأن يعاملهم في الدارين بعدله إنه سبحانه القوي المتين. وقرىء «ولا يحيق» بضم الياء «المكر السيء» بالنصب على أنه يحيق من أحاق المتعدي وفاعله ضمير راجع إليه تعالى والْمَكْرُ مفعوله فَهَلْ يَنْظُرُونَ أي ما ينتظرون، وهو مجاز بجعل ما يستقبل بمنزلة ما ينتظر ويتوقع إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ أي إلا سنة الله تعالى فيهم بتعذيب مكذبيهم.
فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا بأن يضع سبحانه موضع العذاب وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا بأن ينقل عذابه من المكذبين إلى غيرهم، والفاء لتعليل ما يفيده الحكم بانتظارهم العذاب من مجيئه، ونفي وجدان التبديل والتحويل عبارة عن نفي وجودهما بالطريق البرهاني، وتخصيص كل منهما بنفي مستقل لتأكيد انتفائهما، والخطاب عام أو خاص به عليه الصلاة والسلام.
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ استشهاد على ما قبله من جريان سنة الله تعالى على تعذيب المكذبين بما يشاهدونه في مسايرهم ومتاجرهم في رحلتهم إلى الشام واليمن والعراق من آثار الأمم الماضية وعلامات هلاكهم، والهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر يليق بالمقام على رأي أي أقعدوا ولم يسيروا، وقوله تعالى وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً في موضع الحال بتقدير قد أو بدونها.
وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ أي ليس من شأنه عز شأنه أن يسبقه ويفوته مِنْ شَيْءٍ أي شيء ومن لاستغراق الأشياء فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ هو نظير.
لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً [الكهف: ٤٩] والواو حالية أو عاطفة.
وفي الإرشاد الجملة اعتراض مقرر لما يفهم مما قبله من استئصال الأمم السالفة، وظاهره أن الواو اعتراضية.
إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً مبالغا في العلم والقدرة، والجملة تعليل لنفي الإعجاز وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ جميعا بِما كَسَبُوا فعلوا من السيئات كما وأخذ أولئك ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها أي ظهر الأرض وقد سبق ذكرها في قوله تعالى: فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ فليس من الإضمار قبل الذكر كما زعمه الرضي، وظهر الأرض مجاز عن ظاهرها كما قال الراغب. وغيره، وقيل: في الكلام استعارة مكنية تخييلية والمراد ما ترك عليها مِنْ دَابَّةٍ