للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مديدة فحصول الظلام بعده في مدة قصيرة أمر غير مترقب ثم قال وبهذا ظهر الجواب عن التقوية، وقيل إن الظلمة لكونها مما تنفر عنها الطباع وتكرهها النفوس يكون حصولها كأنه غير مترقب ويكفي نفس السلخ في الدلالة على الاقتدار، والذي يقتضيه ما سبق عن الطيبي واليمني أن الشيخ والسكاكي أرادا إخراج النهار من الليل إخراجا لا يبقى معه شيء من ضوئه كما قال الزجاج، ومآله إزالة ضوء النهار من مكان الليل وموضع ظلمته كما قال الفراء، وجاء في كلامهم الظهور بمعنى الزوال كما في قول أبي ذؤيب:

وعيرها الواشون أني أحبها ... وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

وحكى الجوهري: يقال هذا أمر ظاهر عنك عاره أي زائل. وقال المرزوقي في قول الحماسي:

وذلك عار يا ابن ريطة ظاهر أيضا كذلك فلا مانع من أن يكون في كلام الشيخين بهذا المعنى ويراد بالظهور الإظهار، والتعبير به مساهلة لظهور أن نسلخ متعد فيرجع الأمر إلى الإزالة فيتحد كلامهما بما قاله الفراء وكذا على ما قيل المراد بالظهور الخروج على وجه المفارقة لظهور الزوال فيه حينئذ وأمر المساهلة على حاله، وعلى القول بالاتحاد يجيء اعتراض العلامة والجواب هو الجواب فتأمل والله تعالى الهادي إلى الصواب.

وفي الآية على ما قال غير واحد دلالة على أن الأصل الظلمة والنور طارئ عليها يسترها بضوئه وفي الحديث ما يشعر بذلك أيضا،

روى الإمام أحمد والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من نوره اهتدى ومن أخطأه ضل» .

وَالشَّمْسُ عطف على اللَّيْلُ أي وآية لهم الشمس.

وقوله تعالى تَجْرِي إلخ استئناف لبيان كونها آية، وقيل الشَّمْسُ مبتدأ وما بعده خبر والجملة عطف على اللَّيْلُ نَسْلَخُ وقيل غير ذلك فلا تغفل، والجري المر السريع، وأصله لمر الماء ولما يجري يجريه والمعنى تسير سريعا لِمُسْتَقَرٍّ لَها لحد معين تنتهي إليه من فلكها في آخر السنة شبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره من حيث أن في كل انتهاء إلى محل معين وإن كان للمسافر قرار دونها، وروي هذا عن الكلبي واختاره ابن قتيبة، والمستقر عليه اسم مكان واللام بمعنى إلى وقرىء بها بدل اللام، وجوز أن تكون تعليلية أو لمنتهى لها من المشارق اليومية والمغارب لأنها تتقصاها مشرقا مشرقا ومغربا مغربا حتى تبلغ أقصاها ثم ترجع فذلك حدها ومستقرها لأنها لا تعدوه.

وروي هذا عن الحسن وهو متفق في أن المستقر اسم مكان واللام على ما سمعت، ومختلف باعتبار أن الأول من استقرار المسافر تشبيها لانتهاء الدورة بانتهاء السفرة وهذا باعتبار مقنطرات الارتفاع وبلوغ أقصاها ومقنطرات الانخفاض كذلك والاستقرار باعتبار عدم التجاوز عن الأول في استقصاء المشارق وعن الثاني في استقصاء المغارب أو لحد لها من مسيرها كل يوم في رأي عيوننا وهو المغرب، والمستقر عليه اسم مكان أيضا واللام كما سمعت أو لكبد السماء ودائرة نصف النهاء فالمستقر (١) واللام على نظير ما تقدم. وكون ذلك محل قرارها إما مجاز عن الحركة البطيئة أو هو باعتبار ما يتراءى قال ذو الرمة يصف فرسه وجريه في الظهيرة وشدة الحر:

معروريا رمض الرضراض تركضه ... والشمس حيرى لها بالجو تدويم (٢)


(١) وجوز كونه مصدرا فلا تغفل اه منه.
(٢) هو وقوف الطائر في الهواء اه منه. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>