طويل، حاصله أن نحو ضاربك وضارباك وضاربوك ذهب سيبويه إلى أن الضمير فيه في محل جر بالإضافة ولذا حذف التنوين ونون التثنية والجمع، وذهب الأخفش وهشام إلى أن الضمير في محل نصب وحذفها للتخفيف حتى وردتا ثابتين كما في الفاعلونه وأ مسلمني فالنون عندهما في الأخير ونحوه تنوين حرك لالتقاء الساكنين وقد سمعت ما فيه، وحديث الحمل على الفعل على العلات أحسن ما قيل في التوجيه، هذا وطلع وأطلع بالتشديد وأطلع بالتخفيف بمعنى واحد والكل لازم ويجيء الاطلاع متعديا يقال أطلعه على كذا فاطلع، و «مطلعون» في قراءة أبي عمرو بمعنى مطلعون بالتشديد ونائب فاعل أطلع ضمير القائل والفاعل هم المخاطبون واطلاعهم إياه باعتبار التسبب كأنه لما أراد الاطلاع وأحب أن لا يستبد به أدبا عرض عليهم أن يطلعوا فرغبوا وأطلعوا فكان ذلك وسيلة إلى اطلاعه فكأنهم هم الذين أطلعوه ففاء فَاطَّلَعَ فصيحة والعطف على مقدر، والمعنى على القراءة التي بعدها هل أنتم مطلعون حتى أطلع أنا أيضا فاطلعوا وأطلع هو بعد ذلك فرآه في سواء الجحيم ولا بد من تقدير اطلع بعد ذلك ليصلح ترتب فَرَآهُ على ما قبله وهَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ عليه بمعنى الأمر تأدبا ومبالغة وعلى القراءة الثانية وهي قراءة التخفيف في الكلمتين والثانية فعل ماض المعنى كما في قراءة الجمهور، وكذا على القراءة التي بعدها، وعن قراءة أبي البرهسم ومن معه هل أنتم مطلعي فأطلعوه فرآه إلخ، واطلاعهم إياه إذا كان الخطاب للجلساء بطريق التسبب كأنه طلب أن يطلعوا ليوافقهم فيطلع وهو إذا كان (١) الخطاب للملائكة عليهم السلام على ما يتبادر إلى الذهن، وعن صاحب اللوامح إن طلع وأطلع اطلاعا بمعنى أقبل وجاء والقائم مقام الفاعل على قراءة أطلع مبنيا للمفعول ضمير المصدر أو جار ومجرور محذوفان أي اطلع به لأن اطلع لازم كأقبل وقد علمت أن اطلع يجيء متعديا كأطلعت زيدا. ورد أبو حيان الاحتمال الثاني بأن نائب الفاعل لا يجوز حذفه كالفاعل فتأمل جميع ما ذكرنا ولا تغفل قالَ أي القائل لقرينه تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ أي لتهلكني، وفي قراءة عبد الله «لتغوين» ، و «إن» مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة. وفي البحر أن القسم فيه التعجب من سلامته منه إذ كان قرينه قارب أن يرديه وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي على وهي التوفيق والعصمة لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ للعذاب كما أحضرته أنت وأضرابك أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إلخ رجوع إلى محاورة جلسائه بعد إتمام الكلام مع قرينه تبجحا وابتهاجا بما أتاح الله تعالى له من الفضل العظيم والنعيم المقيم وتعريضا للقرين بالتوبيخ، وجوز أن يكون من كلام المتسائلين جميعا وأن يكون من تتمة كلام القائل يسمع قرينه على جهة التوبيخ له، واختير الأول، والهمزة للتقرير وفيها معنى التعجب والفاء للعطف على مقدر يقتضيه نظم الكلام على ما ذهب إليه الزمخشري ومتبعوه أي أنحن مخلدون فما نحن بميتين أي ممن شأنه الموت كما يؤذن به الصفة المشبهة.
وقرىء «بمائتين» إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى التي كانت في الدنيا وهي متناولة عند أهل السنة لما في القبر بعد الإحياء للسؤال لعدم الاعتداد بالحياة فيه لكونها غير تامة ولا قارة وزمانها قليل جدا، والاستثناء مفرغ من مصدر مقدر كأنه قيل أفما نحن بميتين موتة إلا موتتنا الأولى، وجوز أن يكون منقطعا أي لكن الموتة الأولى كانت لنا في الدنيا وعلمهم بأنهم لا يموتون ناشىء من إخبار أنبيائهم لهم في الدنيا وإعلامهم إياهم بأن أهل الجنة لا يموتون أو من قول الملائكة عليهم السلام لهم حين دخول الجنة طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ [الزمر: ٧٣] وقولهم ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ [الحجر: ٤٦] وقيل إن أهل الجنة أول ما دخلوا لا يعلمون أنهم لا يموتون فإذا جيء بالموت على صورة كبش أملح وذبح فنودي يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت فحينئذ يعلمونه فيقولون ذلك
(١) قوله وهو إذا كان الخطاب إلخ كذا في أصله وانظر اه.