صلى الله تعالى عليه وسلم فقالوا: أيحل القتال في الشهر الحرام؟ فأنزل الله تعالى الآية،
ومن هنا قيل: السائلون هم المشركون، وأيد بأن ما سيأتي من ذكر الصد والكفر والإخراج أكبر شاهد صدق على ذلك ليكون تعريضا بهم موافقا لتعريضهم بالمؤمنين.
واختار أكثر المفسرين أن السائلين هم المسلمون قالوا: وأكثروا الروايات تقتضيه، وليس الشاهد مفصحا بالمقصود والمراد من الشَّهْرِ الْحَرامِ رجب أو جمادى فأل فيه للعهد، والكثير والأظهر أنها للجنس فيراد به الأشهر الحرم وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرّم ورجب، وسميت حرما لتحريم القتال فيها والمعنى يَسْئَلُونَكَ أي المسلمون أو الكفار عن القتال في الشهر الحرام على أن قِتالٍ فِيهِ بدل اشتمال من الشهر لما أن الأول غير واف بالمقصود مشوق إلى الثاني ملابس له بغير الكلية والجزئية، ولما كان النكرة موصوفة أو عاملة صح إبدالها من المعرفة على أن وجوب التوصيف إنما هو في بدل الكل كما نص عليه الرضي، وقرأ عبد الله عن قتال وهو أيضا بدل اشتمال إلا أنه بتكرير العامل، وقرأ عكرمة قتل فيه وكذا في قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ أي عظيم وزرا، وفيه تقرير لحرمة القتال في الشهر الحرام، وأن ما اعتقد من استحلاله صلّى الله عليه وسلّم القتال فيه باطل، وما وقع من أصحابه عليه الصلاة والسلام كان من باب الخطأ في الاجتهاد وهو معفو عنه- بل
من اجتهد وأخطأ فله أجر واحد- كما في الحديث،
والأكثرون على أن هذا الحكم منسوخ بقوله سبحانه: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة:
٥] فإن المراد بالأشهر الحرم أشهر معينة أبيح للمشركين السياحة فيها بقوله تعالى: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [التوبة: ٢] وليس المراد بها الأشهر الحرم من كل سنة فالتقييد بها يفيد أن قتلهم بعد انسلاخها مأمور به في جميع الأمكنة والأزمنة وهو نسخ الخاص بالعام، وساداتنا الحنفية يقولون به، وأما الشافعية فيقولون: إن الخاص سواء كان متقدما على العام أو متأخرا عنه مخصص له لكون العام عندهم ظنيا والظني لا يعارض القطعي، وقال الإمام: الذي عندي أن الآية لا تدل على حرمة القتال مطلقا في الشهر الحرام لأن القتال فيها نكرة في حيز مثبت فلا تعم فلا حاجة حينئذ إلى القول بالنسخ، واعترض بأنها عامة لكونها موصوفة بوصف عام أو بقرينة المقام ولو سلم فقتال المشركين مراد قطعا لأن قتال المسلمين حرام مطلقا من غير تقييد بالأشهر الحرم، وفيه أنا لا نسلم أنها موصوفة لجواز أن يكون الجار ظرفا لغوا ولو سلم فلا نسلم عموم الوصف بل هو مخصص لها بالقتال الواقع في الشهر الحرام المعين، والوصف المفيد للعموم هو الوصف المساوي عمومه عموم الجنس كما في قوله تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ [الإنعام: ٣٨] وقول الشاعر: ولا ترى الضب بها ينجحر. وكون الأصل مطابقة الجواب للسؤال قرينة على الخصوص وكون المراد قتال المشركين على عمومه غير مسلم لأن الكلام في القتال المخصوص ولو سلم عمومها في السؤال فلا نسلم عمومها في الجواب بناء على ما ذكره الراغب أن النكرة المذكورة إذا أعيد ذكرها يعاد معرفا نحو سألتني عن رجل والرجل كذا وكذا ففي تنكيرها هنا تنبيه على أن ليس المراد كل قتال حكمه هذا فإن قتال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لأهل مكة لم يكن هذا حكمه
فقد قال عليه الصلاة والسلام:«أحلت لي ساعة من نهار»
وحرمة قتال المسلمين مطلقا لا يخفى ما فيه لأن قتال أهل البغي يحل وهم مسلمون فالإنصاف أن القول بالنسخ ليس بضروري، نعم هو ممكن وبه قال ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كما رواه عنه الضحاك، وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري أنه سئل عن هذه الآية فقال: هذا شيء منسوخ ولا بأس بالقتال في الشهر الحرام، وخالف عطاء في ذلك فقد روي عنه أنه سئل عن القتال في الشهر الحرام فحلف بالله تعالى ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الشهر الحرام إلا أن يقاتلوا فيه وجعل ذلك حكما مستمرا إلى يوم القيامة والأمة اليوم على خلافه في