مستبعدة الوقوع والتقييد بالغاية الممتنع وقوعها شائع كما في قوله تعالى: حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ [الأعراف: ٤٠] وفيه أن استبعاد وقوع الغاية مما يترتب عليه عدم انقطاع العداوة وقد أفاده صدر الكلام، والقول بالتأكيد غير أكيد، نعم يمكن الحمل على الغاية لو أريد من المقاتلة معناها الحقيقي ويكون الشرط متعلقا- بلا يزالون- فيفيد التقييد أن تركهم المقاتلة في بعض الأوقات لعدم استطاعتهم إلا أن المعنى حينئذ يكون مبتذلا كما لا يخفى وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ الحق بإضلالهم وإغواهم، أو الخوف من عداوتهم فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ بأن لم يرجع إلى الإسلام فَأُولئِكَ إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة من الارتداد والموت على الكفر وما فيه من البعد للإشعار ببعد منزلة من يفعل ذلك في الشر والفساد والجمع والإفراد نظرا للفظ والمعنى حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ أي صارت أعمالهم الحسنة التي عملوها في حالة الإسلام فاسدة بمنزلة ما لم تكن، قيل وأصل الحبط فساد يلحق الماشية لأكل الحباط وهو ضرب من الكلأ مضر، وفي النهاية أحبط الله تعالى عمله أبطله يقال: حبط عمله وأحبط وأحبطه غيره، وهو من قولهم: حبطت الدابة حبطا بالتحريك إذا أصابت مرعى طيبا فأفرطت في الأكل حتى تنتفخ فتموت، وقرىء- حبطت- بالفتح وهو لغة فيه، فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لبطلان ما تخيلوه وفوات ما للإسلام من الفوائد في الأولى وسقوط الثواب في الأخرى وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ كسائر الكفرة ولا يغني عنهم إيمانهم السابق على الردة شيئا، واستدل الشافعي بالآية على أن الردة لا تحبط الأعمال حتى يموت عليها وذلك بناء على أنها «لو أحبطت» مطلقا لما كان للتقييد بقوله سبحانه: فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فائدة والقول بأن فائدته أن «إحباط» جميع الأعمال حتى لا يكون له عمل أصلا موقوف على الموت على الكفر حتى لو مات مؤمنا «لا يحبط» إيمانه ولا عمل يقارنه وذلك لا ينافي إحباط الأعمال السابقة على الارتداد بمجرد الارتداد مما لا معنى له لأن المراد من الأعمال في الآية الأعمال السابقة على الارتداد إذ لا معنى لحبوط ما لم يفعل فحينئذ لا يتأتى هذا القول كما لا يخفى، وقيل: بناء على أنه جعل الموت عليها شرطا في الإحباط وعند انتفاء الشرط ينتفي المشروط، واعترض بأن الشرط النحوي والتعليقي ليس بهذا المعنى بل غايته السببية والملزومية وانتفاء السبب أو الملزوم لا يوجب انتفاء المسبب أو اللازم لجواز تعدد الأسباب ولو كان شرطا بهذا المعنى لم يتصور اختلاف القول بمفهوم الشرط، وذهب إمامنا أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه إلى أن مجرد الارتداد يوجب الإحباط لقوله تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة: ٥] وما استدل به الشافعي ليس صريحا في المقصود لأنه إنما يتم إذا كانت جملة، وَأُولئِكَ إلخ تذييلا معطوفة على الجملة الشرطية، وأما لو كانت معطوفة على الجزاء وكان مجموع الإحباط والخلود في النار مرتبا على الموت على الردة فلا نسلم تماميته، ومن زعم ذلك اعترض على الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه بأن اللازم عليه حمل المطلق على المقيد عملا بالدليلين، وأجيب بأن حمل المطلق على المقيد مشروط عنده يكون الإطلاق والتقييد في الحكم واتحاد الحادثة وما هنا في السبب فلا يجوز الحمل لجواز أن يكون المطلق سببا كالمقيد، وثمرة الخلاف على ما قيل: تظهر فيمن صلى ثم ارتد ثم أسلم والوقت باق فإنه يلزمه عند الإمام قضاء الصلاة خلافا للشافعي وكذا الحج واختلف الشافعيون فيمن رجع إلى الإسلام بعد الردة هل يرجع له عمله بثوابه أم لا؟ فذهب بعض إلى الأول فيما عدا الصحبة فإنها ترجع مجردة عن الثواب، وذهب الجل إلى الثاني وأن أعماله تعود بلا ثواب ولا فرق
بين الصحبة وغيرها، ولعل ذلك هو المعتمد في المذهب فافهم.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا أخرج ابن أبي حاتم والطبراني في الكبير من حديث جندب بن عبد الله أنها نزلت في السرية لما ظن بهم أنهم إن سلموا من الإثم فليس لهم أجر وَالَّذِينَ هاجَرُوا أي فارقوا أوطانهم، وأصله من الهجر ضد