للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوصل وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لإعلاء دينه وإنما كرر الموصول مع أن المراد بهما واحد لتفخيم شأن الهجرة والجهاد فكأنهما وإن كانا مشروطين بالإيمان في الواقع مستقلان في تحقق الرجاء، وقدم الهجرة على الجهاد لتقدمها عليه في الوقوع تقدم الإيمان عليهما أُولئِكَ المنعوتون بالنعوت الجليلة يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ أي يؤملون تعلق رحمته سبحانه بهم أو ثوابه على أعمالهم، ومنها تلك الغزاة في الشهر الحرام، واقتصر البعض عليها بناء على ما

رواه الزهري أنه لما فرج الله تعالى عن أهل تلك السرية ما كانوا فيه من غم طمعوا فيما عند الله تعالى من ثوابه فقالوا: يا نبي الله أنطمع أن تكون غزوة نعطى فيها أجر المهاجرين في سبيل الله تعالى فأنزل الله تعالى هذه الآية،

ولا يخفى أن العموم أعم نفعا وأثبت لهم الرجاء دون الفوز بالمرجو للإشارة إلى أن العمل غير موجب إذ لا استحقاق به ولا يدل دلالة قطعية على تحقق الثواب إذ لا علاقة عقلية بينهما وإنما هو تفضل منه تعالى سيما والعبرة بالخواتيم فلعله يحدث بعد ذلك ما يوجب الحبوط ولقد وقع ذلك والعياذ بالله تعالى كثيرا فلا ينبغي الاتكال على العمل وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ تذييل لما تقدم وتأكيد له ولم يذكر المغفرة فيما تقدم لأن رجاء الرحمة يدل عليها وقدم وصف المغفرة لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ

قال الواحدي: نزلت في عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل ونفر من الأنصار أتوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقالوا: أفتنا في الخمر والميسر فإنهما مذهبة للعقل ومسلبة للمال فأنزل الله تعالى هذه الآية

وفي بعض الروايات «أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قدم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فسألوه عن ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية فقال قوم: ما حرما علينا فكانوا يشربون الخمر إلى أن صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعا أناسا من الصحابة وأتاهم بخمر فشربوا وسكروا وحضرت صلاة المغرب فقدموا عليا كرم الله تعالى وجهه فقرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [الكافرون: ١] إلخ بحذف لا فأنزل الله تعالى: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى [النساء: ٤٣] فقلّ من يشربها ثم اتخذ عتبان بن مالك صنيعا ودعا رجالا من المسلمين فيهم سعد بن أبي وقاص وكان قد شوى لهم رأس بعير فأكلوا منه وشربوا الخمر حتى أخذت منهم ثم إنهم افتخروا عند ذلك وتناشدوا الأشعار فأنشد سعد ما فيه هجاء الأنصار وفخر لقومه فأخذ رجل من الأنصار لحي البعير فضرب به رأس سعد فشجه موضحة فانطلق سعد إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وشكا إليه الأنصار فقال: اللهم بين لنا رأيك في الخمر بيانا شافيا فأنزل الله تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ إلى قوله تعالى:

فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ

وذلك بعد غزوة الأحزاب بأيام فقال عمر رضي الله تعالى عنه: انتهينا يا رب.

وعن علي كرم الله تعالى وجهه لو وقعت قطرة منها في بئر فبنيت في مكانها منارة لم أؤذن عليها ولو وقعت في بحر ثم جف فنبت فيه الكلأ لم أرعه دابتي.

وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لو أدخلت أصبعي فيها لم تتبعني- وهذا هو الإيمان والتقى حقا.

والخمر عند الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه التي من ماء العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد وسميت بذلك لأنها تخمر العقل أي تستره ومنه خمار المرأة لستره وجهها، والخامر وهو من يكتم الشهادة، وقيل: لأنها تغطى حتى تشتد، ومنه «خمروا آنيتكم» أي غطوها، وقيل: لأنها تخالط العقل وخامره داء خالطه، وقيل: لأنها تترك حتى تدرك، ومنه اختمر العجين أي بلغ إدراكه وهي أقوال متقاربة، وعليها فالخمر مصدر يراد به اسم الفاعل أو المفعول ويجوز أن يبقى على مصدريته للمبالغة. وذهب الإمامان إلى عدم اشتراط القذف ويكفي الاشتداد لأن المعنى المحرم يحصل به، وللإمام أن الغليان بداية الشدة وكمالها بقذف الزبد وسكونه إذ به يتميز الصافي من الكدر وأحكام الشرع قطعية فتناط بالنهاية كالحد وإكفار المستحل وحرمة البيع، وأخذ بعضهم بقولهما في حرمة الشرب احتياطا، ثم إطلاق

<<  <  ج: ص:  >  >>