وفي الصحيحين أنه صلى الله تعالى عليه وسلم سئل عن النقيع- وهو نبيذ العسل- فقال:«كل شراب أسكر فهو حرام»
وروى أبو داود «نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر»
وصح «ما أسكر كثيره فقليله حرام»
وفي حديث آخر «ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام»
والأحاديث متظافرة على ذلك، ولعمري إنّ اجتماع الفساق في زماننا على شرب المسكرات مما عدا الْخَمْرِ ورغبتهم فيها فوق اجتماعهم عى شرب الْخَمْرِ ورغبتهم فيه بكثير، وقد وضعوا لها أسماء- كالعنبرية والإكسير- ونحوهما ظنا منهم أنّ هذه الأسماء تخرجها من الحرمة وتبيح شربها للأمة- وهيهات هيهات- الأمر وراء ما يظنون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، نعم حرمة هذه الأشربة دون حرمة الخمر حتى لا يكفر مستحلها كما قدّمنا لأنها اجتهادية، ولو ذهب ذاهب إلى القول بالتكفير لم يبق في يده من الناس اليوم إلا قليل وَالْمَيْسِرِ مصدر ميمي من- يسر- كالموعد والمرجع يقال: يسرته إذا قمرته واشتقاقه إما من- اليسر- لأنه أخذ المال بيسر وسهولة، أو من- اليسار- لأنه سلب له، وقيل: من يسروا الشيء إذا اقتسموه، وسمي المقامر- ياسرا- لأنه بسبب ذلك الفعل يجزىء لحم الجزور، وقال الواحدي: من يسر الشيء إذا وجب، والياسر الواجب بسبب القدح، وصفته أنه كانت لهم عشرة أقداح هي الأزلام والأقلام الفذ والتوأم والرقيب والحلس والنافس والمسبل والمعلى والمنيح والسفيح والوغد لكل واحد منها نصيب معلوم من جزور ينحرونها ويجزئونها ثمانية وعشرين إلا الثلاثة: وهو المنيح والسفيح والوغد، للفذ سهم، وللتوأم سهمان، وللرقيب ثلاثة، وللحلس أربعة، وللنافس خمسة، وللمسبل ستة، وللمعلى سبعة يجعلونها في الربابة- وهي خريطة- ويضعونها على يدي عدل ثم يجلجلها ويدخل يده فيخرج باسم رجل رجل قدحا منها، فمن خرج له قدح من ذوات الأنصباء أخذ النصيب الموسوم به ذلك القدح، ومن خرج له قدح مما لا نصيب له لم يأخذ شيئا وغرم ثمن الجزور كله مع حرمانه، وكانوا يدفعون تلك الأنصباء إلى الفقراء ولا يأكلون منها، ويفتخرون بذلك ويذمون من لم يدخل فيه ويسمونه البرم، ونقل الأزهري كيفية أخرى لذلك ولم يذكر- الوغد- في الأسماء بل ذكر غيره، والذي اعتمده الزمخشري وكثيرون ما ذكرناه، وقد نظم بعضهم هذه الأسماء فقال:
كل سهام الياسرين عشره ... فأودعوها صحفا منشره
لها فروض ولها نصيب ... الفذ والتوأم والرقيب
والحلس يتلوهن ثم النافس ... وبعده مسبلهن السادس
ثم المعلى كاسمه المعلى ... صاحبه في الياسرين الأعلى
والوغد والسفيح والمنيح ... غفل فما فيما يرى ربيح
وفي حكم ذلك جميع أنواع القمار من النرد والشطرنج، وغيرهما حتى أدخلوا فيه لعب الصبيان بالجوز والكعاب والقرعة في غير القسمة وجميع أنواع المخاطرة والرهان، وعن ابن سيرين- كل شيء فيه خطر فهو من الميسر- ومعنى الآية يَسْئَلُونَكَ عما في تعاطي هذين الأمرين، ودل على التقدير بقوله تعالى: قُلْ فِيهِما إذ المراد في تعاطيهما بلا ريب إِثْمٌ كَبِيرٌ من حيث إن تناولهما مؤدّ إلى ما يوجب- الإثم- وهو ترك المأمور، وفعل المحظور وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ من اللذة والفرح وهضم الطعام وتصفية اللون وتقوية الباه وتشجيع الجبان وتسخية البخيل وإعانة الضعيف. وهي باقية قبل التحريم وبعده، وسلبها بعد التحريم مما لا يعقل ولا يدل عليه دليل،
وخبر «ما جعل الله تعالى شفاء أمتي فيما حرّم عليها»
لا دليل فيه عند التحقيق كما لا يخفى وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما أي المفاسد التي تنشأ منها أعظم من المنافع المتوقعة فيهما. فمن مفاسد الخمر إزالة العقل الذي هو أشرف صفات الإنسان، وإذا