للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الخصم يشمل الكثير فيطابق ما مر من جميع الضمائر، ويؤيده على ما قيل قوله سبحانه: بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فإن نحو هذا أكثر استعمالا في قول الجماعة، وقراءة بعضهم بغى بعضهم على بعض أظهر في التأييد، ولا يمنع ذلك كون التحاكم إنما وقع بين اثنين لجواز أن يصحب كلا منهما من يعاضده والعرف يطلق الخصم على المخاصم ومعاضده وإن لم يخاصم بالفعل، وجوز أن يكون المراد اثنين والضمائر المجموعة مراد بها التثنية فيتوافقان وأيد بقوله سبحانه إِنَّ هذا أَخِي وقيل: يجوز أن يقدر خصمان مبتدأ خبره محذوف أي فينا خصمان وهو كما ترى، والظاهر أن جملة بَغى إلخ في موضع الصفة لخصمان وأن جملة نحن خصمان إلخ استئناف في موضع التعليل للنهي فهي موصولة بلا تخف، وجوز أن يكونوا قد قالوا لا تخف وسكتوا حتى سألوا ما أمركم؟ فقالوا: خصمان بغى إلخ أي جار بعضنا على بعض واستشكل قولهم هذا على القول بأنهم كانوا ملائكة بأنه إخبار عن أنفسهم بما لم يقع منهم وهو كذب والملائكة منزهون عنه. وأجيب بأنه إنما يكون كذبا لو كانوا قصدوا به الإخبار حقيقة أما لو كان فرضا لأمر صوروه في أنفسهم لما أتوا على صورة البشر كما يذكر العالم إذا صور مسألة لأحد أو كان كناية وتعريضا بما وقع من داود عليه السلام فلا، وقرأ أبو يزيد الجرار عن الكسائي «خصمان» بكسر الخاء.

فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ أي ولا تتجاوزه، وقرأ أبو رجاء وابن أبي عبلة وقتادة والحسن وأبو حيوة «ولا تشطط» من شط ثلاثيا أي ولا تبعد عن الحق، وقرأ قتادة أيضا «تشطّ» مدغما من أشط رباعيا، وقرأ زر «تشاطط» بضم التاء وبألف على وزن تفاعل مفكوكا، وعنه أيضا «تشطط» من شطط، والمراد في الجميع لا تجر في الحكومة وأرادوا بهذا الأمر والنهي إظهار الحرص على ظهور الحق والرضا به من غير ارتياب بأنه عليه السلام يحكم بالحق ولا يجوز في الحكم وأحد الخصمين قد يقول نحو ذلك للإيماء إلى أنه المحق وقد يقوله اتهاما للحاكم وفيه حينئذ من الفظاظة ما فيه وعلى ما ذكرنا أولا فيه بعض فظاظة، وفي تحمل داود عليه السلام لذلك منهم دلالة على أنه يليق بالحاكم تحمل نحو ذلك من المتخاصمين لا سيما إذا كان ممن معه الحق فحال المرء وقت التخاصم لا يخفى.

والعجب من حاكم أو محكم أو من للخصوم نوع رجوع إليه كالمفتي كيف لا يقتدي بهذا النبي الأواب عليه الصلاة والسلام في ذلك بل يغضب كل الغضب لأدنى كلمة تصدر ولو فلتة من أحد الخصمين يتوهم منها الحط لقدره ولو فكر في نفسه لعلم أنه بالنسبة إلى هذا النبي الأواب لا يعدل والله العظيم متك ذباب، اللهم وفقنا لأحسن الأخلاق واعصمنا من الأغلاط وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ أي وسط طريق الحق بزجر الباغي عما سلكه من طريق الجور وإرشاده إلى منهاج العدل إِنَّ هذا أَخِي إلخ استئناف لبيان ما فيه الخصومة، والمراد بالأخوة أخوة الدين أو أخوة الصداقة والإلفة أو أخوة الشركة والخلطة لقوله تعالى: وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ وكل واحد من هذه الأخوات يدلي بحق مانع من الاعتداء والظلم، وقيل: هي أخوة في النسب وكان المتحاكمان أخوين من بني إسرائيل لأب وأم، ولا يخفى أن المشهور أنهما كانا من الملائكة بل قيل لا خلاف في ذلك. وأَخِي بيان عند ابن عطية وبدل أو خبر لأن عند الزمخشري، ولعل المقصود بالإفادة على الثاني قوله تعالى: لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ وهي الأنثى من بقر الوحش ومن الضأن والشاء الجبلي وتستعار للمرأة كالشاة كثيرا نحو قول ابن عون:

أنا أبوهن ثلاث هنه ... رابعة في البيت صغراهنه

ونعجتي خمسا توفيهنه ... ألا فتى سحج يغذيهنه

وقول عنترة:

يا شاة ما قنص لمن حلت له ... حرمت عليّ وليتها لم تحرم

<<  <  ج: ص:  >  >>