فرميت غفلة عينه عن شاته ... فأصبت حبة قلبها وطحالها
والظاهر إبقاؤها على حقيقتها هنا ويراد بها أنثى الضان، وجوز إرادة الامرأة، وسيأتي إن شاء تعالى ما يتعلق بذلك، وقرأ الحسن وزيد بن علي تِسْعٌ وَتِسْعُونَ بفتح التاء فيهما، وكثر مجيء الفعل والفعل بمعنى واحد نحو السكر والسكر ولا يبعد ذلك في التسع لا سيما وقد جاور العشر، والحسن وابن هرمز «نعجة» بكسر النون وهي لغة لبعض بني تميم، وقرأ ابن مسعود «ولي نعجة أنثى» ووجه ذلك الزمخشري بأنه يقال امرأة أنثى للحسناء الجميلة والمعنى وصفها بالعراقة في لين الأنوثة وفتورها وذلك أملح لها وأزيد في تكسرها وتثنيها ألا ترى إلى وصفهم لها بالكسول والمكسال. وقوله:
فتور القيام قطيع الكلام ... لغوب العشاء إذا لم تنم
وقول قيس بن الخطيم:
تنام عن كبر شأنها فإذا ... قامت رويدا تكاد تنغرف
وفي الكلام عليه توفية حق القسمين أعني ما يرجع إلى الظالم وما يرجع إلى المظلوم كأنه قيل: إنه مع وفور استغنائه وشدة حاجتي ظلمني حقي، وهذا ظاهر إذا كانت النعجة مستعارة وإلا فالمناسب تأكيد الأنوثة بأنها كاملة فيها فيكون أدر وأحلب لما يطلب منها على أن فيه رمزا إلى ما روي عنه فَقالَ أَكْفِلْنِيها ملكنيها، وحقيقته اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدي، وقال ابن كيسان: اجعلها كفلي أي نصيبي، وعن ابن عباس وابن مسعود تحول لي عنها وهو بيان للمراد وألصق بوجه الاستعارة وَعَزَّنِي أي غلبني، وفي المثل من عز بزاي من غلب سلب وقال الشاعر:
قطاة عزها شرك فباتت ... تجاذبه وقد علق الجناح
فِي الْخِطابِ أي مخاطبته إياي محاجة بأن جاء بحجاج لم أطق رده، وقال الضحاك: أي إن تكلم كان أفصح مني وإن حارب كان أبطش مني، وقال ابن عطية: كان أوجه مني وأقوى فإذا خاطبته كان كلامه أقوى من كلامي وقوته أعظم من قوتي، وقيل: أي غلبني في مغالبته إياي في الخطبة على أن الخطاب من خطبت المرأة وخطبها هو فخاطبني خطابا أي غالبني في الخطبة فغلبني حيث زوجها دوني، وهو قول من يجعل النعجة مستعارة، وتعقبه صاحب الكشف فقال: حمل الخطاب على المغالبة في خطبة النساء لا يلائم فصاحة التنزيل لأن التمثيل قاصر عنه لنبو قوله: وَلِيَ نَعْجَةٌ عن ذلك أشد النبوة وكذا قوله: أَكْفِلْنِيها إذ ينبغي على ذلك أن يخاطب به ولي المخطوبة إلا أن يجعل الأول مجازا عما يؤول إليه الحال ظنا والشرط في حسنه تحقق الانتهاء كما في أَعْصِرُ خَمْراً [يوسف: ٣٦] والثاني مجاز عن تركه الخطبة، ولا يخفى ما فيهما من التعقيد، ثم إنه لتصريحه ينافي الغرض من التمثيل وهو التنبيه على عظم ما كان منه عليه السلام وأنه أمر يستحي من كشفه مع الستر عليه والاحتفاظ بحرمته انتهى فتأمل.
وقرأ أبو حيوة وطلحة «وعزني» بتخفيف الزاي، قال أبو الفتح: حذفت إحدى الزائين تخفيفا كما حذفت إحدى السينين في قول أبي زبيد: