ففي الخبر «الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة»
والأحباب على ما نقل عن الفراء مضمن معنى الإيثار وهو ملحق بالحقيقة لشهرته في ذلك، وظاهر كلام بعضهم أنه حقيقة فيه فهو مما يتعدى بعلى لكن عدي هنا بعن لتضمينه معنى الإنابة وحُبَّ الْخَيْرِ مفعول به أي آثرت حب الخير منيبا له عن ذكر ربي أو أنبت حب الخير عن ذكر ربي مؤثرا له.
وجوز كون حُبَّ منصوبا على المصدر التشبيهي ويكون مفعول أَحْبَبْتُ محذوفا أي أحببت الصافنات أو عرضها حبا مثل حب الخير منيبا لذلك عن ذكر ربي، وليس المراد بالخير عليه الخيل وذكر أبو الفتح الهمداني أن أحببت بمعنى لزمت من قوله:
ضرب بعير السوء إذ أحبا واعترض بأن أحب بهذا المعنى غريب لم يرد إلا في هذا البيت وغرابة اللفظ تدل على اللكنة وكلام الله عزّ وجلّ منزه عن ذلك، مع أن اللزوم لا يتعدى بعن إلا إذا ضمن معنى يتعدى به أو تجوز به عنه فلم يبق فائدة في العدول عن المعنى المشهور مع صحته أيضا بالتضمين وجعل بعضهم الأحباب من أول الأمر بمعنى التقاعد والاحتباس وحب الخير مفعولا لأجله أي تقاعدت واحتبست عن ذكر ربي لحب الخير. وتعقب بأن الذي يدل عليه السلام اللغويين أنه لزوم عن تعب أو مرض ونحوه فلا يناسب تقاعد النشاط والتلهي الذي كان عليه السلام فيه وقول بعض الأجلة: بعد التنزل عن جواز استعمال المقيد في المطلق لما كان لزوم المكان لمحبة الخيل على خلاف مرضاة الله تعالى جعلها من الأمراض التي تحتاج إلى التداوي بأضدادها ولذلك عقرها ففي أَحْبَبْتُ استعارة تبعية لا يخفى حسنها ومناسبتها للمقام ليس بشيء لخفاء هذه الاستعارة نفسها وعدم ظهور قرينتها، وبالجملة ما ذكره أبو الفتح مما لا ينبغي أن يفتح له باب الاستحسان عند ذوي العرفان، وجوز حمل أَحْبَبْتُ على ظاهره من غير اعتبار تضمينه ما يتعدى بعن وجعل عن متعلقة بمقدر كمعرضا وبعيدا وهو حال من ضمير أَحْبَبْتُ، وجوز في عن كونها تعليلية وسيأتي إن شاء الله تعالى وو ذِكْرِ مضاف إلى مفعوله وجوز أن يكون مضافا إلى فاعله. وقيل الإضافة على معنى اللام ولا يراد بالذكر المعنى المصدري بل يراد به الصلاة فمعنى عن ذكر ربي عن صلاة ربي التي شرعها وهو كما ترى.
وبعض من جعل عن للتعليل فسر ذلك الرب بكتابه عزّ وجلّ وهو التوراة أي أحببت الخيل بسبب كتاب الله تعالى وهو التوراة فإن فيه مدح ارتباطها وروي ذلك عن أبي مسلم، وقرأ أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو «إني أحببت» بفتح الياء حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ متعلق بقوله تعالى: أَحْبَبْتُ باعتبار استمرار المحبة ودوامها حسب استمرار العرض أي أنبت حب الخير عن ذكر ربي واستمر ذلك حتى غربت الشمس تشبيها لغروبها في مغربها بتواري المخباة بحجابها على طريق الاستعارة التبعية، ويجوز أن يكون هناك استعارة مكنية تخييلية وأيا ما كان فما أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن كعب، قال: الحجاب هو حجاب من ياقوت أخضر محيط بالخلائق منه اخضرت السماء، وما قيل إنه جبل دون قاف بسنة تغرب الشمس وراءه لا يخفى حاله، والناس في ثبوت جبل قاف بين مصدق ومكذب والقرافي يقول لا وجود له وإليه أميل وإن قال المثبتون ما قالوا، والباء للظرفية أو الاستعانة أو الملابسة، وعود الضمير إلى الشمس من غير ذكر لدلالة العشي عليها، والضمير المنصوب في قوله تعالى: رُدُّوها عَلَيَّ للصافنات على ما قال غير واحد.
وظاهر كلامهم أنه للصافنات المذكور في الآية، ولعلك تختار أنه للخيل الدال عليها الحال المشاهدة أو الخير في قوله: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ لأن ردوها من تتمة مقالته عليه السلام والصافنات غير مذكورة في كلامه بل