في كلام الله تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم، والكلام على ما قال الزمخشري على إضمار القول أي قال ردوها علي، والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه قيل: فماذا قال سليمان؟ فقيل قال: ردوها، وتعقبه أبو حيان بأنه لا يحتاج إلى الإضمار إذ الجملة مندرجة تحت حكاية القول في قوله تعالى: فَقالَ إِنِّي إلخ والفاء في قوله تعالى: فَطَفِقَ مَسْحاً فصيحة مفصحة عن جملة قد حذفت ثقة بدلالة الحال عليها وإيذانا بغاية سرعة الامتثال بالأمر كما في قوله تعالى فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً أي فردوها عليه فطفق إلخ وطفق من أفعال الشروع واسمها ضمير سليمان ومَسْحاً مفعول مطلق لفعل مقدر هو خبرها أي شرع يمسح مسحا لا حال مؤول بماسحا كما جوزه أبو البقاء إذ لا بد لطفق من الخبر وليس هذا مما يسد الحال فيه مسده، وقرأ زيد بن علي «مساحا» على وزن قتال بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ أي بسوقها وأعناقها على أن التعريف للعهد وإن أل قائمة مقام الضمير المضاف إليه، والباء متعلقة بالمسح على معنى شرع يمسح السيف بسوقها وأعناقها، وقال: جمع هي زائدة أي شرع يمسح سوقها وأعناقها بالسيف، ومسحته بالسيف كما قال الراغب: كناية عن الضرب.
وفي الكشاف يمسح السيف بسوقها وأعناقها يقطعها تقول مسح علاوته إذا ضرب عنقه ومسح المسفر الكتاب إذا قطع أطرافه بسيفه، وعن الحسن كسف عراقيبها وضرب أعناقها أراد بالكسف القطع ومنه الكسف في ألقاب الزحاف والعروض ومن قاله بالشين المعجمة فمصحّف، وكون المراد القطع قد دل عليه بعض الأخبار.
أخرج الطبراني في الأوسط والاسماعيلي في معجمه وابن مردويه بسند حسن عن أبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله تعالى: فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ قطع سوقها وأعناقها بالسيف،
وقد جعلها عليه السلام بذلك قربانا لله تعالى وكان تقريب الخيل مشروعا في دينه، ولعل كسف العراقيب ليتأتى ذبحها بسهولة، وقيل: إنه عليه السلام حبسها في سبيل الله تعالى وكان ذلك المسح الصادر منه وسما لها لتعرف أنها خيل محبوسة في سبيل الله تعالى وهو نظير ما يفعل اليوم من الوسم بالنار ولا بأس به في شرعنا ما لم يكن في الوجه، ولعله عليه السلام رأى الوسم بالسيف أهون من الوسم بالنار فاختاره أو كان هو المعروف في تلك الأعصار بينهم، ويروى أنه عليه السلام لما فعل ذلك سخر له الريح كرامة له، وقيل: إنه عليه السلام أراد بذلك إتلافها حيث شغلته عن عبادة ربه عز وجل وصار تعلق قلبه بها سببا لغفلته، واستدل بذلك الشبلي قدس سره على حل تحريق ثيابه بالنار حين شغلته عن ربه جل جلاله وهذا قول باطل لا ينبغي أن يلتفت إليه وحاشا نبي الله أن يتلف مالا محترما لمجرد أنه شغل به عن عبادة وله سبيل لأن يخرجه عن ملكه مع نفع هو من أجل القرب إليه عزّ وجلّ على أن تلك الخيل لم يكن عليه السلام اقتناها واستعرضها بطرا وافتخارا معاذ الله تعالى من ذلك وإنما اقتناها للانتفاع بها في طاعة الله سبحانه واستعرضها للتطلع على أحوالها ليصلح من شأنها ما يحتاج إلى إصلاح وكل ذلك عبادة فغاية ما يلزم أنه عليه السلام نسي عبادة لشغله بعبادة أخرى فاستدلال الشبلي قدس سره غير صحيح، وقد نبه أيضا على عدم صحته عبد الوهاب الشعراني من السادة الصوفية في كتابه اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر ولكن يحمل الآية على محمل آخر، وما ذكرناه في محملها وتفسيرها هو المشهور بين الجمهور ولهم فيها كلام غير ذلك فقيل ضمير رُدُّوها للشمس والخطاب للملائكة عليهم السلام الموكلين بها، قالوا:
طلب ردها لما فاته صلاة العصر لشغله بالخيل فردت له حتى صلى العصر، وروي هذا القول عن علي كرم الله تعالى وجهه
كما قال الخفاجي والطبرسي. وتعقب ذلك الرازي بأن القادر على تحريك الأفلاك والكواكب هو الله تعالى فكان يجب أن يقول ردها عليّ دون رُدُّوها بضمير الجمع. فإن قالوا: هو للتعظيم كما في رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون: ٩٩] قلنا: لفظ ردوها مشعر بأعظم أنواع الإهانة فكيف يليق بهذا اللفظ رعاية