في الآية ما ينافي وقوعه، وكذا وقوع الفتنة في ابتدائها لا سيما إن قلنا: إن قوله تعالى قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي إلخ ليس تفسيرا لأناب. وأجيب على القول بأن الفتنة كانت سلب الملك بأن رجوعه بعد كالابتداء.
وذكر بعض الذاهبين إلى ذلك أنه عليه السلام أقام في ملكه قبل هذه الفتنة عشرين سنة وأقام بعدها عشرين سنة أيضا وقالوا في هذه الآية: إن مصب الدعاء الوصف فمعنى الآية هب لي ملكا لا ينبغي لأحد غيري ممن هو في عصري بأن يسلبه مني كهذه السلبة.
وروي هذا المعنى عن عطاء بن أبي رباح وقتادة، وحاصله الدعاء بعدم سلب ملكه عنه في حياته، ويفهم مما في سياق التفريع إجابة سؤاله عليه السلام وأن ما وهب له لا يسلب عنه بعد. وجوز أن يكون هذا دعاء بعدم السلب وإن لم يتقدم سلب ودوام نعمة الله عزّ وجلّ مما يحسن الدعاء به والآثار ملأى من ذلك فهذا الوجه لا يتعين بناؤه على تفسير الفتنة بسلب الملك على ما حكي سابقا.
وقال الجبائي: إنه عليه السلام طلب ملكا لا يكون لغيره أبدا ولم يطلب ذلك إلا بعد الإذن فإن الأنبياء عليهم السلام لا يطلبون إلا ما يؤذن لهم في طلبه وجائز أن يكون الله تعالى قد أعلمه أنه إن سأل ذلك كان أصلح له في الدين وأعلمه أن لا صلاح لغيره فيه وهو نظير قول القائل: اللهم اجعلني أكثر أهل زماني مالا إذا علمت أن ذلك أصلح لي فإنه حسن لا ينسب قائله إلى شح اه. قيل ويجوز أن يكون معنى الآية عليه هب لي ملكا ينبغي لي حكمة ولا ينبغي حكمة لأحد غيري وأراد بذلك طلب أن يكون عليه السلام متأهلا لنعم الله عزّ وجلّ وهو كما ترى. وقيل غير ذلك، ومن أعجب ما رأيت ما قاله السيد المرتضى: إنه يجوز أن يكون إنما سأل ملك الآخرة وثواب الجنة ويكون معنى قوله:
لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي لا يستحقه بعد وصوله إليه من حيث لا يصح أن يعمل ما يستحق به ذلك لانقطاع التكليف، ولا يخفى أنه مما لا يرتضيه الذوق والتفريع الآتي آب عنه كل الإباء، واستدل بعضهم بالآية على بعض الأقوال المذكورة فيها على تكفير من ادعى استخدام الجن وطاعتهم له وأيد ذلك بالحديث السابق، والحق أن استخدام الجن الثابت لسليمان عليه السلام لم يكن بواسطة أسماء ورياضات بل هو تسخير إلهي من غير واسطة شيء وكان أيضا على وجه أتم وهو مع ذلك بعض الملك الذي استوهبه فالمختص على تقدير إفادة الآية الاختصاص مجموع ما تضمنه قوله تعالى: فَسَخَّرْنا إلخ فالظاهر عدم اكفاء من يدعي استخدام شيء من الجن، ونحن قد شاهدنا مرارا من يدعي ذلك وشاهدنا آثار صدق دعواه على وجه لا ينكره إلا سوفسطائي أو مكابر.
ومن الاتفاقيات الغريبة أني اجتمعت يوم تفسيري لهذه الآية برجل موصلي يدعي ذلك وامتحنته بما يصدق دعواه في محفل عظيم ففعل وأتى بالعجب العجاب، وكانت الأدلة على نفي احتمال الشعبذة ونحوها ظاهرة لذوي الألباب إلا أن لي إشكالا في هذا المقام وهو أن الخادم الجني قد يحضر الشيء الكثيف من نحو صندوق مقفل بين جمع في حجرة أغلقت أبوابها وسدت منافذها ولم يشعر به أحد، ووجه الإشكال أن الجني لطيف فكيف ستر الكثيف فلم ير في الطريق وكيف أخرجه من الصندوق وأدخله الحجرة وقد سددت المنافذ، وتلطف الكثيف ثم تكثفه بعد مما لا يقبله إلا كثيف أو سخيف، ومثل ذلك كون الإحضار المذكور على نحو إحضار عرش بلقيس بالإعدام والإيجاد كما يقوله الشيخ الأكبر أو بوجه آخر كما يقول غيره، ولعل الشرع أيضا يأبى هذا، وسرعة المرور إن نفعت ففي عدم الرؤية في الطريق، وقصارى ما يقال لعل للجني سحرا أو نحوه سلب به الإحساس فتصرف بالصندوق ومنافذ الحجرة حسبما أراد وأتى بالكثيف يحمله ولم يشعر به أحد من الناس فإن تم هذا فبها وإلا فالأمر مشكل، وظاهر جعل