مبتلى فهل ذلك أن تداويه فقال: نعم بشرط أن يقول: إذا شفيته أنت شفيتني فمالت لذلك وعرضت كلامه لأيوب عليه السلام فعرف أنه الشيطان وكان عليه ذلك أشد مما هو فيه نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ إلخ، وقيل: إن الشيطان طلب منها أن تذبح لغير الله تعالى إذا عالجه وبرأ فمالت لذلك فعظم عليه عليه السلام الأمر فنادى، وقيل: إنه كان يعوده ثلاثة من المؤمنين فارتد أحدهم فسأل عنه فقيل له: ألقى إليه الشيطان أن الله تعالى لا يبتلي الأنبياء والصالحين فتألم من ذلك جدا فقال ما قال وفي رواية مر به نفر من بني إسرائيل فقال بعضهم لبعض: ما أصابه هذا إلا بذنب أصابه وهذا نوع من وسوسة الشيطان فعظم عليه ذلك فقال ما قال، والإسناد على جميع ما ذكر باعتبار الوسوسة، وقيل غير ذلك والله تعالى أعلم. وقوله سبحانه: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ إما حكاية لما قبل له أو مقول لقول مقدر معطوف على نادى أي فقلنا له اركض برجلك أي اضرب بها وكذا قوله تعالى: هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ فإنه أيضا إما حكاية لما قيل له بعد امتثاله بالأمر ونبوع الماء أو مقول لقول مقدر معطوف على مقدر ينساق إليه الكلام كأنه قيل:
فضربها فنبعت عين فقلنا له هذا مغتسل تغتسل به وتشرب منه فيبرأ ظاهرك وباطنك، فالمغتسل اسم مفعول على الحذف والإيصال وكذا الشراب، وعن مقاتل أن المغتسل اسم مكان أي هذا مكان تغتسل فيه وليس بشيء، وظاهر الآية اتحاد المخبر عنه بمغتسل وشراب، وقيل: إنه عليه السلام ضرب برجله اليمنى فنبعت عين حارة فاغتسل منها وبرجله اليسرى فنبعت باردة فسرب منها، وقال الحسن: ركض برجله فنبعت عين فاغتسل منها ثم مشى نحوا من أربعين ذراعا ثم ركض برجله فنبعت أخرى فشرب منها، ولعله عنى بالأولى عينا حارة، وظاهر النظم عدم التعدد.
وبارِدٌ على ذلك صفة شَرابٌ مع أنه مقدم عليه صفة مُغْتَسَلٌ وكون هذا إشارة إلى جنس النابع أو يقدر وهذا بارد إلخ تكلف لا يخرج ذلك عن الضعف، وقيل أمر بالركض بالرجل ليتناثر عنه كل داء بجسده.
وكان ذلك على ما روي عن قتادة والحسن ومقاتل بأرض الجابية من الشام، وفي الكلام حذف أيضا أي فاغتسل وشرب فكشفنا بذلك ما به من ضر وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ بإحيائهم بعد هلاكهم على ما روي عن الحسن.
وروى الطبرسي عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه أن الله تعالى أحيا له أهله الذين كانوا ماتوا قبل البلية وأهله الذين ماتوا وهو في البلية، وفي البحر الجمهور على أنه تعالى أحيا له من مات من أهله وعافى المرضى وجمع عليه من تشتت منهم، وقيل وإليه أميل وهبه من كان حيا منهم وعافاه من الأسقام وأرغد لهم العيش فتناسلوا حتى بلغ عددهم من مضى وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ فكان له ضعف ما كان، والظاهر أن هذه الهبة كانت في الدنيا، وزعم بعض أن هذا وعد وتكون تلك الهبة في الآخرة رَحْمَةً مِنَّا أي لرحمة عظيمة عليه من قبلنا.
وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ وتذكيرا لهم بذلك ليصبروا على الشدائد كما صبر ويلجؤوا إلى الله تعالى فيما يصيبهم كما لجأ ليفعل سبحانه بهم فافعل به من حسن العاقبة. روي عن قتادة أنه عليه السلام ابتلي سبع سنين وأشهرا وألقي على كناسة بني إسرائيل تختلف الدواب في جسده فصبر ففرج الله تعالى عنه وأعظم له الأجر وأحسن، وعن ابن عباس أنه صار ما بين قدميه إلى قرنه قرحة واحدة وألقي على الرماد حتى بدا حجاب قلبه فكانت امرأته تسعى إليه فقالت له يوما: أما ترى يا أيوب قد نزل بي والله من الجهد والفاقة ما إن بعت قروني برغيف فأطعمتك فادع الله تعالى أن يشفيك ويريحك فقال: ويحك كنا في النعيم سبعين عاما فاصبري حتى نكون في الضر سبعين عاما فكان في البلاء سبع سنين ودعا فجاء جبريل عليه السلام فأخذ بيده ثم قال: قم فقام عن مكانه وقال: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ فاغتسل وشرب فبرأ وألبسه الله تعالى حلة من الجنة فتنحى فجلس في ناحية وجاءت امرأته فلم تعرفه فقالت: يا عبد الله أين المبتلى الذي كان هاهنا؟ لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب وجعلت تكلمه ساعة فقال: ويحك