للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنا أيوب قد رد الله تعالى علي جسدي ورد الله تعالى عليه ماله وولده ومثلهم معهم وأمطر عليه جرادا من ذهب فجعل يأخذ الجراد بيده ويجعله في ثوب وينشر كساءه فيجعل فيه فأوحى الله تعالى إليه يا أيوب أما شبعت؟ قال: يا رب من الذي يشبع من فضلك ورحمتك،

وفي البحر روى أنس عن النبي صلّى الله عليه وسلم «أن أيوب بقي في محنته ثماني عشرة سنة يتساقط لحمه حتى مله العالم ولم يصبر عليه إلا امرأته»

وعظم بلائه عليه السلام مما شاع وذاع ولم يختلف فيه اثنان لكن في بلوغ أمره إلى أن ألقي على كناسة ونحو ذلك فيه خلاف قال الطبرسي: قال أهل التحقيق أنه لا يجوز أن يكون بصفة يستقذره الناس عليها لأن في ذلك تنفيرا فأما الفقر والمرض وذهاب الأهل فيجوز أن يمتحنه الله تعالى بذلك.

وفي هداية المريد للفاني أنه يجوز على الأنبياء عليهم السلام كل عرض بشري ليس محرما ولا مكروها ولا مباحا مزريا ولا مزمنا ولا مما تعافه الأنفس ولا مما يؤدي إلى النفرة ثم قال بعد ورقتين، واحترزنا بقولنا ولا مزمنا ولا مما تعافه الأنفس عما كان كذلك كالإقعاد والبرص والجذام والعمى والجنون، وأما الإغماء فقال النووي لا شك في جوازه عليهم لأنه مرض بخلاف الجنون فإنه نقص، وقيد أبو حامد الإغماء بغير الطويل وجزم به البلقيني، قال السبكي: وليس كإغماء غيرهم لأنه إنما يستر حواسهم الظاهرة دون قلوبهم لأنها معصومة من النوم الأخف، قال: ويمتنع عليهم الجنون وإن قل لأنه نقص ويلحق به العمى ولم يعم نبي قط، وما ذكر عن شعيب من كونه كان ضريرا لم يثبت، وأما يعقوب فحصلت له غشاوة وزالت اه.

وفرق بعضهم في عروض ذلك بين أن يكون بعد التبليغ وحصول الغرض من النبوة فيجوز وبين أن يكون قبل فلا يجوز، ولعلك تختار القول بحفظهم بما تعافه النفوس ويؤدي إلى الاستقدار والنفرة مطلقا وحينئذ فلا بد من القول بأن ما ابتلي به أيوب عليه السلام لم يصل إلى حد الاستقذار والنفرة كما يشعر به ما روي عن قتادة ونقله القصاص في كتبهم، وذكر بعضهم أن داءه كان الجدري ولا أعتقد صحة ذلك والله تعالى أعلم.

وقوله تعالى: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً عطف على ارْكُضْ أو على وَهَبْنا بتقدير قلنا خذ بيدك إلخ، والأول أقرب لفظا وهذا أنسب معنى فإن الحاجة إلى هذا الأمر لا تمس إلا بعد الصحة واعتدال الوقت فإن امرأته رحمته بنت إفرائيم أو مشيا بن يوسف أو ليا بنت يعقوب أو ما خير بنت ميشا بن يوسف على اختلاف الروايات.

ولا يخفى لطف رَحْمَةً مِنَّا على الرواية الأولى ذهبت لحاجة فأبطأت أو بلغت أيوب عن الشيطان أن يقول كلمة محذورة فيبرأ وأشارت عليه بذلك فقالت له إلى متى هذا البلاء كلمة واحدة ثم استغفر ربك فيغفر لك أو جاءته بزيادة على ما كانت تأتي به من الخبز فظن أنها ارتكبت في ذلك محرما فحلف ليضربنها إن برىء مائة ضربة فأمره الله تعالى بأخذ الضغث وهو الحزمة الصغيرة من حشيش أو ريحان أو قضبان، وقيل: القبضة الكبيرة من القضبان، ومنه ضغث على إبالة والإبالة الحزمة من الحطب والضغث القبضة من الحطب أيضا عليها، ومنه قول الشاعر:

وأسفل مني نهدة قد ربطتها ... وألقيت ضغثا من خلى متطيب

وقال ابن عباس هنا: الضغث عثكال النخل، وقال مجاهد: الأثل وهو نبت له شوك، وقال الضحاك: حزمة من الحشيش مختلفة، وقال الأخفش: الشجر الرطب، وعن سعيد بن المسيب أنه عليه السلام لما أمر أخذ ضغثا من ثمام فيه مائة عود، وقال قتادة هو عود فيه تسعة وتسعون عودا والأصل تمام المائة فإن كان هذا معتبرا في مفهوم الضغث ولا أظن فذاك وإلا فالكلام على إرادة المائة فكأنه قيل: خذ بيدك ضغثا فيه مائة عود فَاضْرِبْ بِهِ أي بذلك الضغث وَلا تَحْنَثْ بيمينك فإن البر يتحقق به ولقد شرع الله تعالى ذلك رحمة عليه وعليها لحسن خدمتها إياه ورضاه

<<  <  ج: ص:  >  >>