عنها وهي رخصة باقية في الحدود في شريعتنا وفي غيرها أيضا لكن غير الحدود يعلم منها بالطريق الأولى
فقد أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال حملت وليدة في بني ساعدة من زنا فقيل لها: ممن حملك؟ قالت: من فلان المقعد فسئل المقعد فقال: صدقت فرفع ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: خذوا عثكولا فيه مائة شمراخ فاضربوه به ضربة واحدة ففعلوا
،
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان أن رجلا أصاب فاحشة على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو مريض على شفا موت فأخبر أهله بما صنع فأمر النبي صلّى الله عليه وسلم بقنو فيه مائة شمراخ فضرب به ضربة واحدة
،
وأخرج الطبراني عن سهل بن سعد أن النبي عليه الصلاة والسلام أتى بشيخ قد ظهرت عروقه قد زنى بامرأة فضربه بضغث فيه مائة شمراخ ضربة واحدة
، ولا دلالة في هذه الأخبار على عموم الحكم من يطيق الجلد المتعارف لكن القائل ببقاء حكم الآية قائل بالعموم لكن شرطوا في ذلك أن يصيب المضروب كل واحدة من المائة إما بأطرافها قائمة أو بأعراضها مبسوطة على هيئة الضرب.
وقال الخفاجي: إنهم شرطوا فيه الإيلام أما مع عدمه بالكلية فلا فلو ضرب بسوط واحد له شعبتان خمسين مرة من حلف على ضربه مائة بر إذا تألم فإن لم يتألم لا يبر ولو ضربه مائة لأن الضرب وضع لفعل مؤلم بالبدن بآلة التأديب، وقيل: يحنث بكل حال كما فصل في شروح الهداية وغيرها انتهى.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس لا يجوز ذلك لأحد بعد أيوب إلا الأنبياء عليهم السلام، وفي أحكام القرآن العظيم للجلال السيوطي عن مجاهد قال: كانت هذه لأيوب خاصة، وقال الكيا: ذهب الشافعي وأبو حنيفة وزفر إلى أن من فعل ذلك فقد بر في يمينه، وخالف مالك ورأه خاصا بأيوب عليه السلام، وقال بعضهم: إن الحكم كان عاما ثم نسخ والصحيح بقاء الحكم، واستدل بالآية على أن للزوج ضرب زوجته وأن يحلف ولا يستثني وعلى أن الاستثناء شرطه الاتصال إذ لو لم يشترط لأمره سبحانه وتعالى بالاستثناء ولم يحتج إلى الضرب بالضغث.
واستدل عطار بها على مسألة أخرج فأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عنه أن رجلا قال له: إني حلفت أن لا أكسو امرأتي درعا حتى تقف بعرفة فقال: احملها على حمار ثم اذهب فقف بها بعرفة فقال: إنما عنيت يوم عرفة فقال عطاء: أيوب حين حلف ليجلدن امرأته مائة جلدة أنوى أن يضربها بالضغث إنما أمره الله تعالى أن يأخذ ضغثا فيضربها به ثم قال: إنما القرآن عبر إنما القرآن عبر. وللبحث في ذلك مجال، وكثير من الناس استدل بها على جواز الحيل وجعلها أصلا لصحتها، وعندي أن كل حيلة أوجبت إبطال حكمة شرعية لا تقبل كحيلة سقوط الزكاة وحيلة سقوط الاستبراء وهذا كالتوسط في المسألة فإن من العلماء من يجوز الحيلة مطلقا ومنهم من لا يجوزها مطلقا، وقد أطال الكلام في ذلك العلامة ابن تيمية إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً فيما أصابه في النفس والأهل والمال.
وقد كان عليه السلام يقول كلما أصابته مصيبة: اللهم أنت أخذت وأنت أعطيت
ويحمد الله عزّ وجلّ، ولا يخل بذلك شكواه إلى الله تعالى من الشيطان لأن الصبر عدم الجزع ولا جزع فيما ذكر كتمني العافية وطلب الشفاء مع أنه قال ذلك على ما قيل خيفة الفتنة في الدين كما سمعت فيما تقدم،
ويروى أنه قال في مناجاته: الهي قد علمت أنه لم يخالف لساني قلبي ولم يتبع قلبي بصري ولم يلهني ما ملكت يميني ولم آكل إلا ومعي يتيم ولم أبت شبعان ولا كاسيا ومعي جائع أو عريان فكشف الله تعالى عنه
نِعْمَ الْعَبْدُ أي أيوب إِنَّهُ أَوَّابٌ تعليل لمدحه وتقدم معنى الأواب وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ الثلاثة عطف بيان لعبادنا أو بدل منه.
وقيل: نصب بإضمار أعني، وقرأ ابن عباس وابن كثير وأهل مكة «عبدنا» بالإفراد فإبراهيم وحده بدل أو عطف بيان أو مفعول أعني، وخص بعنوان العبودية لمزيد شرفه، وما بعده عطف على «عبدنا» وجوز أن يكون المراد بعبدنا