وقوع المحكي ليس اسم البشر الذي لم يخلق مسماه حينئذ فضلا عن تسميته به بل عبارة كاشفة عن حاله وإنما عبر عنه بهذا الاسم عند الحكاية.
فَإِذا سَوَّيْتُهُ أي صورته بالصورة الإنسانية والخلقة البشرية أو سويت أجزاء بدنه بتعديل طبائعه وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي تمثيل لإفاضة ما به الحياة بالفعل على المادة القابلة لها فليس ثمت نفخ ولا منفوخ أي فإذا أكملت استعداده وأفضت عليه ما يحيا به من الروح الطاهرة التي هي أمري فَقَعُوا لَهُ أمر من وقع، وفيه دليل على أن المأمور به ليس مجرد الانحناء كما قيل: أي فاسقطوا له ساجِدِينَ تحية له وتكريما فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ أي فخلقه فسواه فنفخ فيه الروح فسجد له الملائكة كُلُّهُمْ بحيث لم يبق أحد منهم إلا سجد أَجْمَعُونَ أي بطريق المعية بحيث لم يتأخر أحد منهم عن أحد فكل للإحاطة وأجمع للاجتماع، ولا اختصاص لإفادته ذلك بالحالية خلافا لبعضهم، وتحقيقه على ما في الكشف أن الاشتقاق الواضح يرشد إلى أن فيه معنى الجمع والضم والأصل في الإطلاق الخطابي التنزيل على أكمل أحوال الشيء ولا خفاء في أن الجمع في وقت واحد أكمل أصنافه لكن لما شاع استعماله تأكيدا أقيم مقام كل في إفادة الإحاطة من غير نظر إلى الكمال فإذا فهمت الإحاطة بلفظ آخر لم يكن بد من ملاحظة الأصل صونا للكلام عن الإلغاء ولو سلم فكل تأكيد الشمول بإخراجه عن الظهور إلى النصوص، وأَجْمَعُونَ تأكيد ذلك التأكيد فيفيد أتم أنواع الإحاطة وهو الإحاطة في وقت واحد، واستخراج هذه الفائدة من جعله كإقامة المظهر مقام المضمر لا يلوح وجهه، والنقض بقوله سبحانه: لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر: ٣٩، ص: ٨٢] منشؤه عدم تصور وجه الدلالة، وظاهر هذه الآية وآية الحجر أن سجودهم مترتب على ما حكي من الأمر التعليقي وكثير من الآيات الكريمة كالتي في البقرة والأعراف وغيرهما ظاهرة في أنه مترتب على الأمر التنجيزي وقد مر تحقيق ذلك فليراجع.
وقوله تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ استثناء متصل لما أنه وإن كان جنيا معدود في زمرة الملائكة موصوف بصفاتهم لا يقوم ولا يقعد إلا معهم فشملته الملائكة تغليبا ثم استثني استثناء واحد منهم أو لأن من الملائكة جنسا يتوالدون وهو منهم أو هو استثناء منقطع، وقوله تعالى: اسْتَكْبَرَ على الأول استئناف مبين لكيفية ترك السجود المفهوم من الاستثناء فإن تركه يحتمل أن يكون للتأمل والتروي وبه يتحقق أنه للإباء والاستكبار وعلى الثاني يجوز اتصاله بما قبله أي لكن إبليس استكبر وتعظم وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ أي وصار منهم باستكباره وتعاظمه على أمر الله تعالى، وترك الفاء المؤذنة بالسببية إحالة على فطنة السامع أو لظهور المراد.
وكون التعاظم على أمره عزّ وجلّ لا سيما الشفاهي موجبا للكفر مما لا ينبغي أن يشك فيه على أن هذا الاستكبار كان متضمنا استقباح الأمر وعده جورا، ويجوز أن يكون المعنى وكان من الكافرين في علم الله تعالى لعلمه عزّ وجلّ أنه سيعصيه ويصدر عنه ما يصدر باختياره وخبث طويته واستعداده قالَ عزّ وجلّ على سبيل الإنكار والتوبيخ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ أي من السجود لِما خَلَقْتُ أي للذي خلقته على أن ما موصولة والعائد محذوف، واستدل به على جواز إطلاق ما على آحاد من يعقل ومن لم يجز قال: إن ما مصدرية ويراد بالمصدر المفعول أي أن تسجد لمخلوق بِيَدَيَّ وهذا عند بعض أهل التأويل من الخلف تمثيل لكونه عليه السلام معتنى بخلقه فإن من شأن المعتنى به أن يعمل باليدين، ومن آثار ذلك خلقه من غير توسط أب وأم وكونه جسما صغيرا انطوى فيه العالم الأكبر وكونه أهلا لأن يفاض عليه ما لا يفاض على غيره إلى غير ذلك من مزايا الآدمية. وعند بعض آخر منهم اليد بمعنى القدرة والتثنية للتأكيد الدال على مزيد قدرته تعالى لأنها ترد لمجرد التكرير نحو ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ [الملك: ٤] فأريد به لازمة وهو التأكيد وذلك لأن الله تعالى في خلقه أفعالا مختلفة من جعله طينا مخمرا