وقيل: إن قارون لم يصدر منه هذه المقالة لكنهم غلبوا عليه وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ في ضياع من ضلت الدابة إذا ضاعت، والمراد أنه لا يفيدهم شيئا فالعاقبة للمتقين، واللام إما للعهد والإظهار في موقع الإضمار لذمهم بالكفر والإشعار بعلة الحكم أو للجنس والمذكورون داخلون فيه دخولا أوليا، والجملة اعتراض جيء به في تضاعيف ما حكي عنهم من الأباطيل للمسارعة إلى بيان بطلان ما أظهروه من الإبراق والإرعاد واضمحلاله بالمرة.
وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى كان إذا هم بقتله كفّوه بقولهم: ليس بالذي تخافه وهو أقل من ذلك وأضعف وما هو إلا ساحر يقاومه ساحر مثله وأنك إذا قتلته أدخلت الشبهة على الناس واعتقدوا أنك عجزت عن مظاهرته بالحجة، والظاهر أنه لعنه الله تعالى استيقن أنه عليه السلام نبي ولكن كان فيه خب وجربزة وكان قتالا سفاكا للدماء في أهون شيء فكيف لا يقتل من أحسن منه بأنه الذي يثل عرشه ويهدم ملكه ولكنه يخاف إن هم بقتله أن يعاجل بالهلاك فقوله: ذَرُونِي إلخ كان تمويها على قومه وإيهاما أنهم هم الذين يكفونه وما كان يكفه إلا ما في نفسه من هو الفزع ويرشد إلى ذلك قوله: وَلْيَدْعُ رَبَّهُ لأن ظاهره الاستهانة بموسى عليه السلام بدعائه ربه سبحانه كما يقال: ادع ناصرك فإني منتقم منك، وباطنه أنه كان يرعد فرائصه من دعاء ربه فلهذا تكلم به أول ما تكلم وأظهر أنه لا يبالي بدعاء ربه وما هو إلا كمن قال: ذروني أفعل كذا وما كان فليكن وإلا فما لمن يدعى أنه ربهم إلا على أن يجعل لما يدعيه موسى عليه السلام وزنا فيتفوه به تهكما أو حقيقة إِنِّي أَخافُ إن لم أقتله أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أن يغير حالكم الذي أنتم عليه من عبادتي وعبادة الأصنام وكان عليه اللعنة قد أمرهم بنحتها وأن تجعل شفعاء لهم عنده كما كان كفار مكة يقولون: هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يونس: ١٨] ولهذا المعنى أضافوا الآلهة إليه في قولهم: وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ [الأعراف: ١٢٧] فهي إضافة تشريف واختصاص وهذا ما ذهب إليه بعض المفسرين، وقال ابن عطية: الدين السلطان ومنه قول زهير:
لئن حللت بحي من بني أسد ... في دين عمرو وحالت بيننا فدك
أي إني أخاف أن يغير سلطانكم ويستذلكم أَوْ أَنْ يُظْهِرَ إن لم يقدر على تغيير دينكم بالكلية فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ وذلك بالتهارج الذي يذهب معه الأمن وتتعطل المزارع والمكاسب ويهلك الناس قتلا وضياعا فالفساد الذي عناه فساد دنياهم، فيكون حاصل المعنى على ما قرر أولا أني أخاف أن يفسد عليكم أمر دينكم بالتبديل أو يفسد عليكم أمر دنياكم بالتعطيل وهما أمران كل منهما مر، ونحو هذا يقال على المعنى الثاني للدين، وعن قتادة أن اللعين عنى بالفساد طاعة الله تعالى: وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو و «وأن» الواو الواصلة.
وقرأ الأعرج والأعمش وابن وثاب وعيسى وابن كثير وابن عامر والكوفيون غير حفص يُظْهِرَ بفتح الياء والهاء «الفساد» بالرفع. وقرأ مجاهد «يظّهّر» بتشديد الظاء والهاء «الفساد» بالرفع. وقرأ زيد بن علي «يظهر» بضم الياء وفتح الهاء مبنيا للمفعول «الفساد» بالرفع.
وَقالَ مُوسى لما سمع بما أجراه اللعين من حديث قتله إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ قاله عليه السلام مخاطبا به قومه على ما ذهب إليه غير واحد، وذلك أنه لما كان القول السابق من فرعون خطابا لقومه على سبيل الاستشارة وإجالة الرأي لا بمحضر منه عليه السلام كان الظاهر أن موسى عليه السلام أيضا خاطب قومه لا فرعون وحاضريه بذلك، ويؤيده قوله تعالى: وفي [الأعراف: ١٢٨] قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا في هذه القصة بعينها، وقوله تعالى هنا: وَرَبِّكُمْ فإن فرعون ومن معه لا يعتقدون ربوبيته تعالى واردة أنه تعالى كذلك في نفس الأمر لا يضر في كونه مؤيدا لأن التأييد مداره الظاهر، وصدر الكلام بأن تأكيدا وتنبيها على أن