للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السبب المؤكد في دفع الشر هو العياذ بالله تعالى، وخص اسم الرب لأن المطلوب هو الحفظ، والتربية وأضافه إليه وإليهم حثا لهم على موافقته في العياذ به سبحانه والتوجه التام بالروح إليه جل شأنه لما في تظاهر الأرواح من استجلاب الإجابة، وهذا هو الحكمة في مشروعية الجماعة في العبادات، ومِنْ كُلِّ على معنى من شر كل واردا بالتكبير الاستكبار عن الإذعان للحق وهو أقبح استكبار وأدله على دناءة ومهانة نفسه وعلى فرط ظلمه وعسفه، وضم إليه عدم الإيمان بيوم الجزاء ليكون أدل وأدل، فمن اجتمع فيه التكبر والتكذيب بالجزاء وقلة المبالاة بالعاقبة فقد استكمل أسباب القسوة والجراءة على الله تعالى وعباده ولم يترك عظيمة إلا ارتكبها، واختير المنزل دون منه سلوكا لطريق التعريض لأنه كلام وارد في عرضهم فلا يلبسون جلد النمر إذا عرض عليهم مع ما في ذلك من الدلالة على علة الاستعاذة ورعاية حتى تربية اللعين له عليه السلام في الجملة. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي «عت» بإدغام الذال المعجمة في التاء بعد قلبها تاء وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ قيل كان قبطيا ابن عم فرعون وكان يجري مجرى ولي العهد ومجرى صاحب الشرطة، وقيل: كان إسرائيليا، وقيل: كان غريبا ليس من الفئتين، ووصفه على هذين القولين بكونه من آل فرعون باعتبار دخوله في زمرتهم وإظهار أنه على دينهم وملتهم تقية وخوفا، ويقال نحو هذا في الإضافة في مؤمن آل فرعون الواقع في عدة أخبار، وقيل: مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ على القولين متعلق بقوله تعالى:

يَكْتُمُ إِيمانَهُ والتقديم للتخصيص أي رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون دون موسى عليه السلام ومن اتبعه، ولا بأس على هذا في الوقت على مؤمن. واعترض بأن كتم يتعدى بنفسه دون من فيقال: كتمت فلانا كذا دون كتمت من فلان قال الله تعالى: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً [النساء: ٤٢] وقال الشاعر:

كتمتك ليلا بالجمومين ساهرا ... وهمين هما مستكنا وظاهرا

أحاديث نفس تشتكي ما يريبها ... وورد هموم لن يجدن مصادرا

وأراد على ما في البحر كتمتك أحاديث نفس وهمين، وفيه أنه صرح بعض اللغويين بتعديه بمن أيضا قال في المصباح كتم من باب قتل يتعدى إلى مفعولين ويجوز زيادة من في المفعول الأول فيقال: كتمت من زيد الحديث كما يقال: بعته الدار وبعتها منه. نعم تعلقه بذلك خلاف الظاهر بل الظاهر تعلقه بمحذوف وقع صفة ثانية لرجل، والظاهر على هذا كونه من آل فرعون حقيقة وفي كلامه المحكي عنه بعد ما هو ظاهر في ذلك واسمه قيل: شمعان بشين معجمة، وقيل: خربيل بخاء معجمة مكسورة وراء مهملة ساكنة، وقيل: حزبيل بحاء مهملة وزاي معجمة، وقيل: حبيب.

وقرأ عيسى وعبد الوارث وعبيد بن عقيل وحمزة بن القاسم عن أبي عمروة «رجل» بسكون الجيم وهي لغة تميم ونجد أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أي أتقصدون قتله فهو مجاز ذكر فيه المسبب وأريد السبب، وكون الإنكار لا يقتضي الوقوع لا يصححه من غير تجوز أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ أي لأن يقول ذلك وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ الشاهدة على صدقه من المعجزات، والاستدلالات الكثيرة وجمع المؤنث السالم وإن شاع أنه للقلة لكنه إذا دخلت عليه أل يفيد الكثرة بمعونة المقام. والجملة حالية من الفاعل أو المفعول، وهذا إنكار من ذلك الرجل عظيم وتبكيت لهم شديد كأنه قال: أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة وما لكم عليه في ارتكابها إلا كلمة الحق التي نطق بها وهي قوله: رَبِّيَ اللَّهُ مع أنه قد جاءكم بالبينات مِنْ رَبِّكُمْ أي من عند من نسب إليه الربوبية وهو ربكم لا ربه وحده، وهذا استدراج إلى الاعتراف وفي أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ- إلى- مِنْ رَبِّكُمْ نكتة جليلة وهي أن من يقول ربي الله أو فلان لا يقتضي أن يقابل بالقتل كما لا تقابلون بالقتل إذا قلتم: ربنا فرعون كيف وقد جعل ربه من هو ربكم فكان عليكم بأن تعزروه وتوقروه لا أن تخذلوه وتقتلوه، وجوز الزمخشري كون أَنْ يَقُولَ على تقدير مضاف أي

<<  <  ج: ص:  >  >>