للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الدين فناسب الجمع والانتهاء إليه، وقيل: ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ على معنى ما تدعوهم إلى الإيمان به والمراد به الرسالة أي ثقلت عليهم رسالتك وعظم لديهم تخصيصنا إياك بالرسالة والوحي دونهم وقوله تعالى: اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ رد عليهم على نحو اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الأنعام: ١٢٤] وما قدمنا أظهر وَما تَفَرَّقُوا أي أمم الأنبياء بعد وفاة أنبيائهم كما في الكشف منذ بعث نوح عليه السلام في الدين الذي دعوا إليه واختلفوا فيه في وقت من الأوقات إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ من أنبيائهم بأن الفرقة ضلال وفساد وأمر متوعد عليه وهذا يؤيد ما دل عليه سابقا من أن الأمم القديمة والحديثة أمروا باتفاق الكلمة وإقامة الدين، والمراد بالعلم سببه مجازا مرسلا، ويجوز أن يكون التجوز في الإسناد، وأن يكون يكون الكلام بتقدير مضاف أي جاءهم سبب العلم، وقد يقال جاء مجاز عن حصل، والاستثناء على ما أشرنا إليه مفرغ من أعم الأوقات، وجوز أن يكون من أعم الأحوال أي ما تفرقوا في حال من الأحوال إلا حال من الأحوال إلا حال مجيء العلم بَغْياً بَيْنَهُمْ أي عداوة على أن البغي الظلم والتجاوز والعداوة سبب له وهي الداعي للتفرق أو طلبا للدنيا والرياسة على أن البغي مصدر بغي بمعنى طلب وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ هي عدته تعالى بترك معاجلتهم بالعذاب إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى معلوم له سبحانه وهو يوم القيامة أو آخر أعمارهم القدرة لهم لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ باستئصال المبطلين حين افترقوا لعظم ما اقترفوا وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ هم أهل الكتاب الذين كانوا في عهده صلّى الله عليه وسلّم وقرأ زيد بن علي «ورّثوا» مبنيا للمفعول مشدد الواو لَفِي شَكٍّ مِنْهُ أي من كتابهم فلم يؤمنوا به حق الإيمان مُرِيبٍ مقلق أو مدخل في الريبة، والجملة اعتراض يؤكد أن تفرقهم ذلك باق في أعقابهم منضما إليه الشك في كتابهم مع انتسابهم إليه فهم تفرقوا بعد العلم الحاصل لهم من النبي المبعوث إليهم المصدق لكتابهم وتفرقوا قبله شكا في كتابهم فلم يؤمنوا به ولم يصدقوا حقه.

فَلِذلِكَ أي إذا كان الأمر كما ذكر فلأجل ذلك التفرق ولما حدث بسببه من تشعب الكفر في الأمم السالفة شعبا فَادْعُ إلى الائتلاف والاتفاق على الملة الحنيفية القديمة وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ أي اثبت على الدعاء كما أوحي إليك، وقيل: الإشارة إلى قوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ وما يتصل به ونقل عن الواحدي أي ولأجل ذلك من التوصية التي شوركت فيها مع نوح ومن بعده ولأجل ذلك الأمر بالإقامة والنهي عن التفرق فادع، وما ذكر أولا أولى لأن قوله تعالى: أَنْ أَقِيمُوا شمل النبي عليه الصلاة والسلام وأتباعه كما سمعت، ويدل عليه كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ فقوله تعالى: فَلِذلِكَ فَادْعُ إلخ لا يتسبب عنه لما يظهر من التكرار وهو تفرع الأمر عن الأمر، وأما تسببه عن تفرقهم فظاهر على معنى فلما أحدثوا من التفرق وأبدعوا فاثبت أنت على الدعاء الذي أمرت به واستقم وهذا ظاهر للمتأمل.

ومن الناس من جعل المشار إليه الشرع السابق ولم يدخل فيه الأمر بالإقامة لئلا يلزم التكرار أي فلأجل أنه شرع لهم الدين القويم القديم الحقيق بأن يتنافس فيه المتنافسون فادع، وقيل: هو الكتاب، وقيل: هو العلم المذكور في قوله تعالى: جاءَهُمُ الْعِلْمُ وقيل: هو الشك ورجح بالقرب وليس بذاك، واللام على جميع الأقوال المذكورة للتعليل، وقيل: على بعضها هي بمعنى إلى صلة الدعاء فما بعدها هو المدعو إليه، وأنت تعلم أنه لا حاجة في إرادة ذلك إلى جعلها بمعنى إلى فإن الدعاء يتعدى بها أيضا كما في قوله:

دعوت لما نابني مسورا ونقل ذلك عن الفراء والزجاج، وأيا ما كان فالفاء الأولى واقعة في جواب شرط مقدر كما أشرنا إليه والفاء الثانية مؤكدة للأولى، وقيل: كان الناس بعد الطوفان أمة واحدة موحدين فاختلف أبناؤهم بعد موتهم حين بعث الله تعالى النبيين مبشرين

<<  <  ج: ص:  >  >>