للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنزه موضع منها لا سيما والإضافة في هذا المقام تنبىء عن تميزها بالشرف والطيب، والتعقيب بقوله تعالى: لَهُمْ ما يَشاؤُنَ أيضا ثم أفيد أن لهم ما يشتهون من ربهم ولا خفاء أنك إذا قلت: لي عند فلان ما شئت كان أبلغ في حصول كل مطالبك منه مما إذا قلت: لي ما شئت عند فلان بالنسبة إلى الطالب والمطلوب منه.

أما الأول فلأنه يفيد أن جميع ما تشاؤوه موجود مبذول لك منه، والثاني يفيد أن ما شئت عنده مبذول لا جميع ما تشاؤوه، وأما الثاني فلأنك وصفته بأنه يبذل جميع المرادات، وفي الثاني وصفته بأن ما شئت عنده مبذول لك إما منه وإما من غيره ثم في الأول مبالغة في تحقيق ذلك وثبوته كما تقول: لي عندك وقبلك كذا، فالله تعالى شأنه أخبر بأن ذلك حق لهم ثابت حق لهم ثابت مقتضى في ذمة فضله سبحانه ولا كذلك في الثاني، ثم قال: ولعل الأوجه أن يجعل عِنْدَ رَبِّهِمْ خبرا آخر أي الذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم في روضات الجنات لهم فيها ما يشاؤون، وإنما أخر توخيا لسلوك طريق المبالغة في الترقي من الترقي من الأدنى إلى الأعلى ومراعاة لترتيب الوجود أيضا فإن الوافد والضيف ينزل في أنزه موضع ثم يحضر بين يديه الذي يشتهيه وملاك ذلك كله أن يختص رب المنزل بالقرب والكرامة، وأن جعله حالا من فاعل يشاؤون أو من المجرور في لَهُمْ أفاد هذا المعنى أيضا لكنه يقصر عما آثرناه لأنه قد أتى به إتيان الفضلة وهو مقصود بذاته عمدة، ولعمري إن ما آثره حسن معنى إلا أنه أبعد لفظا مما أثره جار الله، ولا يخفى عليك ما هو الأنسب بالتنزيل.

وفي الخبر عن أبي ظبية قال: إن السرب من أهل الجنة لتظلهم السحابة فتقول: ما أمطركم؟ فما يدعو داع من القوم إلا امطرته حتى أن القائل منهم ليقول: أمطرينا كواعب أترابا

ذلِكَ إشارة إلى ما ذكر من حال المؤمنين، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلة المشار إليه هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ الذي لا يقدر قدره ولا تبلغ غايته ويصغر دونه ما لغيرهم في الدنيا ذلِكَ الفضل الكبير أو الثواب المفهوم من السياق هو الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أي يبشر به فحذف الجار ثم العائد إلى الموصول كما هو عادتهم في التدريج في الحذف، ولا مانع كما قال الشهاب من حذفهما دفعة، وجوز كون ذلك إشارة إلى التبشير المفهوم من يُبَشِّرُ بعد والإشارة قد تكون لما يفهم بعد كما قرروه في قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة: ١٤٣] ونحوه، والعائد إلى الموصول ضمير منصوب بيبشر على أنه مفعول مطلق له لأنه ضمير المصدر أي ذلك التبشير يبشره الله عباده وزعم أبو حيان أنه لا يظهر جعل الإشارة إلى التبشير لعدم تقدم لفظ البشرى ولا ما يدل عليها وهو ناشىء عن الغفلة عما سمعت فلا حاجة في الجواب عنه أن كون ما تقدم تبشيرا للمؤمنين كاف في صحة ذلك، ثم قال: ومن النحويين من جعل الذي مصدرية حكاه ابن مالك عن يونس وتأول عليه هذه الآية أي ذلك تبشير الله تعالى عباده، وليس بشيء لأنه إثبات للاشتراك بين مختلفي الحد بغير دليل وقد ثبتت اسمية الذي فلا يعدل عن ذلك بشيء لا يقوم به دليل ولا شبهة.

وقرأ عبد الله بن يعمر وابن أبي إسحاق والجحدري والأعمش وطلحة في رواية والكسائي وحمزة «يبشر» ثلاثيا ومجاهد وحميد بن قيس بضم الياء وتخفيف الشين من أبشر وهو معدى بالهمزة من بشر اللازم المكسور الشين وإما بشر بفتحها فمتعد وبشر بالتشديد للتكثير لا للتعدية لأن المعدى إلى واحد وهو مخفف لا يعدى بالتضعيف إليه فالتضعيف فيه للتكثير لا للتعدية قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أي على ما أتعاطاه لكم من التبليغ والبشارة وغيرهما أَجْراً أي نفعا ما، ويختص في العرف بالمال إِلَّا الْمَوَدَّةَ أي إلا مودتكم إياي فِي الْقُرْبى أي لقرابتي منكم ففي للسببية مثلها في «إن امرأة دخلت النار في هرة» فهي بمعنى اللام لتقارب السبب والعلة، وإلى هذا المعنى مجاهد وقتادة وجماعة والخطاب إما لقريش على ما قيل: إنهم جمعوا له مالا وأرادوا أن يرشوه على أن يمسك عن سب آلهتهم

<<  <  ج: ص:  >  >>