للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه فالشرك في مقابلة إقامة الدين والاستقامة عليه وإنكار البعث في مقابلة قوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ والعمل للدنيا لقوله سبحانه: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ وهذا أظهر من جعل الاضراب عما تقدم من قوله تعالى: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ كما لا يخفى، وقيل: شركاؤهم أصنامهم، وإضافتها إليهم لأنهم الذين جعلوها شركاء لله سبحانه، وإسناد الشرع إليها لأنها سبب ضلالتهم وافتتانهم كقوله تعالى: إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً [إبراهيم: ٤٦] وجوز أن يكون الاستفهام المقدر على هذا للإنكار أي ليس لهم شرع ولا شارع كما في قوله تعالى: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا [الأنبياء: ٤٣] وأيا ما كان فضمير شَرَعُوا للشركاء وضمير لَهُمْ للكفار.

وجوز على تفسير الشركاء بالأصنام أن يكون الأول للكفار والثاني للشركاء أي شرع الكفار لأصنامهم ورسموا من المعتقدات والأحكام ما لم يأذن به الله تعالى كاعتقاد أنهم آلهة وأن عبادتهم تقربهم إلى الله سبحانه، وكجعل البحيرة والسائبة والوصيلة وغير ذلك، وهو كما ترى وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ أي القضاء والحكم السابق منه تعالى بتأخير العذاب إلى يوم القيامة أو إلى آخر أعمارهم لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي بين الكافرين والمؤمنين في الدنيا أو حين افترقوا بالعقاب والثواب، وجوز أن يكون المعنى لولا ما وعدهم الله تعالى به من الفصل في الآخرة لقضي بينهم فالفصل بمعنى البيان كما في قوله تعالى: هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ [المرسلات: ٣٨] وقيل: ضمير بينهم للكفار وشركائهم بأي معنى كان وَإِنَّ الظَّالِمِينَ وهم المحدث عنهم أو الأعم منهم ويدخلون دخولا أوليا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ في الآخرة. وفي البحر أي في الدنيا بالقتل والأسر والنهب وفي الآخرة بالنار.

وقرأ الأعرج ومسلم بن جندب «وأن» بفتح الهمزة عطفا على كَلِمَةُ الْفَصْلِ أي لولا القضاء السابق بتأخير العذاب وتقدير أن الظالمين لهم عذاب أليم في الآخرة أو لولا العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة وتقدير أن الظالمين لهم إلخ لقضي بينهم، والعطف على التقديرين تتميم للإيضاح لا تفسيري محض تَرَى الظَّالِمِينَ جملة مستأنفة لبيان ما قبل، والخطاب لكل أحد يصلح له للقصد إلى المبالغة في سوء حالهم أن ترى يا من يصح منه الرؤيا الظالمين يوم القيامة مُشْفِقِينَ خائفين الخوف الشديد مِمَّا كَسَبُوا في الدنيا من السيئات، والكلام قيل على تقدير مضاف.

و (من) صلة الإشفاق أي مشفقين من وبال ما كسبوا وَهُوَ أي الوبال واقِعٌ بِهِمْ أي حاصل لهم لا حق بهم، واختار بعضهم أن لا تقدير ومن تعليلية لأنه أدخل في الوعيد، والجملة اعتراض للإشارة إلى أن إشفاقهم لا ينفعهم، وإيثار واقِعٌ على يقع من أن المعنى على الاستقبال لأن الخوف إنما يكون من التوقع بخلاف الحزن للدلالة على تحققه وأنه لا بد منه، وجوز أن تكون حالا من ضمير مُشْفِقِينَ وظاهر ما سمعت أنه حال مقدرة.

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ أي مستقرون في أطيب بقاعها وأنزهها.

وقال الراغب: هي محاسنها وملاذها، وأصل الروضة مستنقع الماء والخضرة واللغة الكثيرة في واوها جمعا التسكين كما في المنزل ولغة هذيل بن مدركة فتحها فيقولون روضات إجراء للمعتل مجرى الصحيح نحو جفنات ولم يقرأ فيما علمنا بغتهم لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي ما يشتهونه من فنون المستلذات حاصل لهم عند ربهم فالظرف متعلق بمتعلق الجار والمجرور الواقع خبرا لما أو به واختاره جار الله ونفى أن يكون متعلقا بيشاؤون مع أنه الظاهر نحوا، وبين صاحب الكشف ذلك بأنه كلام في معرض المبالغة في وصف ما يكون أهل الجنة فيه من النعيم الدائم فأفيد أنهم في أنزه موضع من الجنة وأطيب مقعد منها بقوله تعالى: فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لأن روضة الجنة

<<  <  ج: ص:  >  >>