للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجال والله سبحانه هو الحكيم الخبير، ويؤيد ما قلنا ما

أخرجه الخطيب عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: قلت يا رسول الله الأمر ينزل بنا بعدك لم ينزل فيه قرآن ولم يسمع منك فيه شيء قال: اجمعوا له العابد من أمتي واجعلوه بينكم شورى ولا تقضوه برأي واحد

، وينبغي أن يكون المستشار عاقلا كما ينبغي أن يكون عابدا،

فقد أخرج الخطيب أيضا عن أبي هريرة مرفوعا «استرشدوا العاقل ترشدوا ولا تعصوه فتندموا»

والشورى على الوجه الذي ذكرناه من جملة أسباب صلاح الأرض

ففي الحديث «إذا كان أمراؤكم خياركم وأمركم شورى فظهر الأرض خير لكم من بطنها وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاء كم وأمركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها»

وإذا لم تكن على ذلك الوجه كان إفسادها للدين والدنيا أكثر من إصلاحها وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أي في سبيل الخير لأنه مسوق للمدح بمجرد الإنفاق، ولعل فصله عن قرينه بذكر المشاورة لأن الاستجابة لله تعالى وإقام الصلاة كانا من آثارها، وقيل: لوقوعها عند اجتماعهم للصلوات.

وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ أي ينتقمون ممن بغى عليهم على ما جعله الله تعالى لهم ولا يعتدون، ومعنى الاختصاص أنهم الأخصاء بالانتصار وغيرهم يعدو ويتجاوز، ولا يراد أنهم ينتصرون ولا يغفرون ليتناقض هو والسابق، فكأنه وصفهم سبحانه بأنهم الأخصاء بالغفران لا يغول الغضب أحلامهم كما يغول في غيرهم وإنهم الأخصاء بالانتصار على ما جوز لهم إن كافؤوا ولا يعتدون كغيرهم فهم محمودون في الحالتين بين حسن وأحسن مخصوصون بذلك من بين الناس، وقال غير واحد: إن كلّا من الوصفين في محل وهو فيه محمود فالعفو عن العاجز المعترف بجرمه محمود ولفظ المغفرة مشعر به والانتصار من المخاصم المصر محمود، ولفظ الانتصار مشعر به ولو أوقعا على عكس ذلك كانا مذمومين وعلى هذا جاء قوله:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

فوضع الندى في موضع السيف بالعلا ... مضرّ كوضع السيف في موضع الندى

وقد يحمد كل ويذم باعتبارات أخر فلا تناقض أيضا سواء اتحد الموصوفان في الجملتين أولا، وقال بعض المحققين: الأوجه أن لا يحمل الكلام على التخصيص بل على التقوى أي يفعلون المغفرة تارة والانتصار أخرى لا دائما للتناقض وليس بذاك، وعن النخعي أنه كان إذا قرأ هذه الآية قال: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترىء عليهم الفساق، وفيه إيماء إلى أن الانتصار من المخاصم المصرّ وإلا فلا إذلال للنفس بالعفو عن العاجز المعترف، ثم إن جملة هُمْ يَنْتَصِرُونَ من المبتدأ والخبر صلة الموصول وإِذا ظرف يَنْتَصِرُونَ وجوز كونها شرطية والجملة جواب الشرط وجملة الجواب والشرط هي الصلة. وتعقبه أبو حيان بما مر آنفا، وجوز أيضا كون هُمْ فاعلا لمحذوف وهو كما سمعت في وَإِذا ما غَضِبُوا إلخ. وقال الحوفي: يجوز جعل هُمْ توكيدا لضمير أَصابَهُمُ وفيه الفصل بين المؤكد والمؤكد بالفاعل ولعله لا يمتنع، ومع هذا فالوجه في الإعراب ما أشرنا إليه أولا وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها بيان لما جعل للمنتصر وتسمية الفعلة الثانية وهي الجزاء سيئة قيل للمشاكلة، وقال جار الله: تسمية كلتا الفعلتين سيئة لأنها تسوء من تنزل به، وفيه رعاية لحقيقة اللفظ وإشارة إلى أن الانتصار مع كونه محمودا إنما يحمد بشرط رعاية المماثلة وهي عسرة ففي مساقها حث على العفو من طريق الاحتياط، وقوله تعالى: فَمَنْ عَفا أي عن المسيء إليه وَأَصْلَحَ ما بينه وبين من يعاد به بالعفو والإغضاء عما صدر منه فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فيجزيه جلّ وعلا أعظم الجزاء، تصريح بما لوح إليه ذلك من الحث وتنبيه على أنه وإن كان سلوكا لطريق الاحتياط يتضمن مع ذلك إصلاح ذات البين المحمود حالا ومالا ليكون زيادة تحريض عليه، وإبهام الأجر وجعله حقا على العظيم الكريم جل شأنه الدال

<<  <  ج: ص:  >  >>