للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ

[الطور: ٤٢] والآية إشارة إلى ما كان منهم من تدبير قتله عليه الصلاة والسلام في دار الندوة وإلى ما كان منه عزّ وجلّ من تدميرهم، وقيل: هو من تتمة الكلام السابق، والمعنى أم أبرموا في تكذيب الحق ورده ولم يقتصروا على كراهته فإنّا مبرمون أمرا في مجازاتهم، فإن كان ذاك خطابا لأهل النار فإبرام الأمر في مجازاتهم هو تخليدهم في النار معذبين، وإن كان خطابا لقريش فهو خذلانهم ونصر النبي صلّى الله عليه وسلّم عليهم فكأنه قيل: فإنا مبرمون أمرا في مجازاتهم وإظهار أمرك، وفيه إشارة إلى أن إبرامهم لا يفيدهم، ولا يغني عنهم شيئا والعدول عن الخطاب في أكثركم إلى الغيبة في أبرموا على هذا القيل للإشعار بأن ذلك أسوأ من كراهتهم ويؤيده ما ذكر أولا على ما قيل قوله تعالى:

أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ لأنه يدل على أن ما أبرموه كان أمرا قد أخفوه فيناسب الكيد دون تكذيب الحق لأن الكفرة مجاهرون فيه والمراد بالسر هنا حديث النفس أي بل أيحسبون أنا لا نسمع حديث أنفسهم بذلك الكيد وَنَجْواهُمْ أي تناجيهم وتحادثهم سرا.

وقال غير واحد: السر ما حدثوا به أنفسهم أو غيرهم في مكان خال والنجوى ما تكلموا به فيما بينهم بطريق التناجي بَلى نسمعهما ونطلع عليهما وَرُسُلُنا الذي يحفظون عليهم أعمالهم لَدَيْهِمْ ملازمون لهم يَكْتُبُونَ أي يكتبونهما أو يكتبون كل ما صدر عنهم من الأفعال والأقوال التي من جملتها ما ذكر.

والمضارع للاستمرار التجددي، وهو مع فاعله خبر ولَدَيْهِمْ حال قدم للفاصلة أو خبر أيضا وجملة المبتدأ والخبر إما عطف على ما يترجم عنه بل أو حال أي نسمع ذلك والحال أن رسلنا يكتبونه، وإذا كان المراد بالسر حديث النفس فالآية ظاهرة في أن السر والكلام المخيل مسموع له تعالى، وكذا هي ظاهرة في أن الحفظة تكتبه كغيره من أقوالهم وأفعالهم الظاهرة، ولا يبعد ذلك بأن يطلعهم الله تعالى عليه بطريق من طرق الاطلاع فيكتبوه.

ومن خص كتابهم بالأمور الغير القلبية خص السر بما حدث به الغير في مكان خال والظاهر أن حسبانهم ذلك حقيقة ولا يستبعد من الكفرة الجهلة، فقد أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: بينا ثلاثة عند الكعبة وأستارها قرشيان وثقفي أو ثقفيان وقرشي فقال واحد منهم ترون الله تعالى يسمع كلامنا فقال واحد: إذا جهرتم وإذا أسررتم لم يسمع فنزلت أَمْ يَحْسَبُونَ الآية.

وقيل: إنهم نزلوا في إقدامهم على الباطل وعدم خوفهم من الله عزّ وجلّ منزلة من يحسب أن الله سبحانه لا يسمع سره ونجواه قُلْ أي للكفرة تحقيقا للحق وتنبيها لهم على أن مخالفتك لهم بعدم عبادتك ما يعبدون من الملائكة عليهم السلام ليس لبغضك وعداوتك لهم أو لمعبوديهم بل إنما هو لجزمك باستحالة ما نسبوا إليهم وبنوا عليه عبادتهم من كونهم بنات الله سبحانه وتعالى إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ أي لذلك الولد وكان بمعنى صح كما يقال ما كان لك أن تفعل كذا وهو أحد استعمالاتها، و «أول» أفعل تفضيل والمفضل عليه المقول لهم، وجوز اعتبار ذلك مطلقا، والمراد إظهار الرغبة والمسارعة، والمنساق إلى الذهن الأول.

ووجه الملازمة أنه عليه الصلاة والسلام أعلم الناس بشؤونه تعالى وبما يجوز عليه وبما لا يجوز أحرصهم على مراعاة حقوقه وما توجيه من تعظيم ولده سبحانه فإن حق الوالد على شخص يوجب عليه تعظيم ولده لما أن تعظيم الولد تعظيم الوالد. فالمعنى إن كان للرحمن ولد وصح ذلك وثبت ببرهان صحيح توردونه وحجة واضحة تدلون بها فأنا أول من يعظم ذلك الولد وأسبقكم إلى طاعته والانقياد له كما يعظم الرجل ولد الملك لعظم أبيه، وهذرا نفي

<<  <  ج: ص:  >  >>