للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِعِدَّتِهِنَّ قياسا على معتدات الوفاة لا يقال: كان ينبغي أن تقدم هذه الآية على قوله تعالى: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ لأنّ ما فيها من أحكام النساء قبل البلوغ إلى الأجل لأنا نقول: لا نسلم ذلك، بل هي من أحكام الرجال بالنسبة إليهن، فكان المناسب أن يذكر بعد الفراغ من أحكامهنّ قبل البلوغ من الأجل وبعده، واستدل الكيا بالآية على نفي الحدّ بالتعريض في القذف لأنه تعالى جعل حكمه مخالفا لحكم التصريح، وأيد بما

روي «من عرض عرضنا، ومن مشي على الكلا ألقيناه في النهر»

واستدل بها على جواز نكاح الحامل من الزنا إذ لا عدة لها، ولا يخفى ما فيه أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ أي أسررتم في قلوبكم من نكاحهنّ بعد مضي عدتهنّ ولم تصرحوا بذلك لهنّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ ولا تصبرون على السكوت عنهن وعن إظهار الرغبة فيهنّ، فلهذا رخص لكم ما رخص، وفيه نوع ما من التوبيخ.

وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا استدراك عن محذوف دل عليه سَتَذْكُرُونَهُنَّ أي فاذكروهن وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ نكاحا بل اكتفوا بما رخص لكم، وجواز أن يكون استدراكا عن لا جُناحَ فإنه في معنى- عرّضوا بخطبتهنّ- أو أكنوا في أنفسكم وَلكِنْ إلخ، وحمله على الاستدراك على ما عنده- ليس بشيء- وإرادة النكاح من- السر- بواسطة إرادة الوطء منه إذ قد تعارف إطلاقه عليه لأنه يسر، ومنه قول امرئ القيس:

ألا زعمت بسباسة اليوم أنني ... كبرت وأن لا يحسن- السر- أمثالي

وإرادة العقد من ذلك لما بينهما من السببية والمسببية، ولم يجعل من أول الأمر عبارة عن العقد لأنه لا مناسبة بينهما في الظاهر، والمروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن- السر. هنا الجماع، وتوهم الرخصة حينئذ في المحظور الذي هو التصريح- بالنكاح- مما لا يكاد يخطر ببال، وعن سعيد بن جبير ومجاهد وروي عن الحبر أيضا أنه العهد على الامتناع عن التزوج بالغير- وهو على هذه الأوجه نصب على المفعولية- وجوّز انتصابه على الظرفية، أي لا تُواعِدُوهُنَّ في السر، على أن المراد بذلك المواعدة بما يستهجن.

إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وهو التعريض الذي عرف تجويزه، والمستثنى منه ما يدل عليه النهي أي لا تُواعِدُوهُنَّ نكاحا مواعدة ما إِلَّا مواعدة معروفة أو إِلَّا مواعدة بقول معروف، أو لا تقولوا في وعد الجماع أو طلب الامتناع عن الغير إِلَّا قولكم قَوْلًا مَعْرُوفاً والاستثناء في جميع ذلك متصل، وفي الكلام على الوجه الأوّل تصريح بما فهم من وَلا جُناحَ على وجه يؤكد ذلك الرفع وهو نوع من الطرد- والعكس حسن- وعلى الأخيرين تأسيس لمعنى ربما يعلم بطريق المقايسة إذ حملوا التعريض- فيهما على- التعريض- بالوعد لها أو الطلب منها، وهو غير- التعريض- السابق لأنه بنفس «الخطبة» وإذا أريد الوجه الرابع وهو الأخير من الأوجه السابقة احتمل الاستثناء الاتصال والانقطاع، والانقطاع في المعنى أظهر على معنى لا تُواعِدُوهُنَّ بالمستهجن وَلكِنْ واعدوهن بقول معروف لا يستحيا منه في المجاهرة من حسن المعاشرة والثبات إن وقع النكاح، وبعض قال بذلك إلا أنه جعل الاستثناء من سِرًّا وضعف بأنه يؤدّي إلى كون التعريض موعودا، وجعله من قبيل «إلا من ظلم» يأبى أن يكون استثناء منه بل من أصل الحكم.

وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ أي لا تقصدوا قصدا جازما عقد عُقْدَةَ النِّكاحِ وفي النهي عن مقدمة الشيء نهي عن الشيء على وجه أبلغ، وصح تعلق النهي به لأنه من الأفعال الباطنة الداخلة تحت الاختيار ولذا يثاب على النية، والمراد به العزم المقارن لأن من قال: لا تعزم على السفر في صفر مثلا لم يفهم منه النهي عن عزم فيه متأخر

<<  <  ج: ص:  >  >>