للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استند إليه فكيف هو، وأيضا وجه جمع الضمير فيه أظهر، وجوز عوده على الثاني للدلالة على أنه لا ينصره غير مولاه وهو في سياق النفي أيضا وإن لم يكن في ذلك بمرتبة الأول. نعم قيل في وجه الجمع عليهما: إن النكرة في سياق النفي تدل على كل فرد فرد فلا يرجع الضمير لها جمعا.

وأجيب بأنه لا يطرد لأنها قد تحمل على المجموع بقرينة عود ضمير الجمع عليها، ولعل الأولى عود الضمير على المولى المفهوم من النكرة المنفية، وقال بعض: لو جعل الضمير للكفار كضمير مِيقاتُهُمْ كثرت الفائدة وقلت المئونة فتأمل إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ في محل رفع على أنه بدل من ضمير يُنْصَرُونَ أو في محل نصب على الاستثناء منه أي لا يمنع من العذاب إلا من رحمة الله تعالى وذلك بالعفو عنه وقبول الشفاعة فيه.

وجوز كونه بدلا أو استثناء من مَوْلًى وفيه كما في الأول دليل على ثبوت الشفاعة لكن الرجحان للأول لفظا ومعنى والاستثناء من أي كان متصل، وقال الكسائي: إنه منقطع أي لكن من رحمه الله تعالى فإنه لا يحتاج إلى قريب ينفعه ولا إلى ناصر ينصره، ولا وجه له مع ظهور الاتصال، نعم إنه لا يتأتى على كون الاستثناء من الضمير وكونه راجعا للكفار فلا تغفل.

إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الغالب الذي لا ينصر من أراد سبحانه تعذيبه الرَّحِيمُ لمن أراد أن يرحمه عزّ وجلّ.

إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ مر معنى الزقوم في الصافات وقرىء «شجرة» بكسر الشين طَعامُ الْأَثِيمِ أي الكثير الآثام والمراد به الكافر لدلالة ما قبله وما بعده عليه دون ما يعمه والعاصي المكثر من المعاصي ثم إن المراد به جنس الكافر لا واحد بعينه، وقال ابن زيد وسعيد بن جبير: إنه هنا أبو جهل، وليس بشيء ولا دليل على ذلك بما أخرجه سعيد ابن منصور عن أبي مالك من أن أبا جهل كان يأتي بالتمر والزبد فيقول: تزقموا فهذا الزقوم الذي يعدكم به محمد صلّى الله عليه وسلّم فنزلت إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ لما لا يخفى، ومثله ما قيل: إنه الوليد وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن الأنباري وابن المنذر عن عوف بن عبد الله أن ابن مسعود أقرأ رجلا إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ فقال الرجل طعام اليثيم (١) فرددها عليه فلم يستقم بها لسانه فقال أتستطيع أن تقول طعام الفاجر؟ قال: نعم قال: فافعل، وأخرج الحاكم وصححه وجماعة عن أبي الدرداء أنه وقع له مثل ذلك فلما رأى الرجل أنه لا يفهم قال: إن شجرة الزقوم طعام الفاجر.

واستدل بذلك على أن إبدال كلمة مكان كلمة جائز إذا كانت مؤدية معناها. وتعقبه القاضي أبو بكر في الانتصار بأنه أراد أن ينبهه على أنه لا يريد اليتيم (٢) بل الفاجر فينبغي أن يقرأ الْأَثِيمِ وأنت تعلم أن هذا التأويل لا يكاد يتأتى فيما روي عن ابن مسعود فإنه كالنص تجويز الإبدال لذلك الرجل وأبعد منه عن التأويل ما

أخرج ابن مردويه عن أبي أنه كان يقرىء رجلا فارسيا فكان إذا قرأ عليه إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ قال: طعام اليتيم فمر به النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: «قل طعام الظلام» فقالها ففصح بها لسانه

، وفي الباب أخبار كثيرة جياد الأسانيد

كخبر أحمد من حديث أبي هريرة «أنزل القرآن على سبعة أحرف عليما حكيما غفورا رحيما» .

وكخبره من حديث أبي بكرة كله أي القرآن شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب نحو


(١) بخط المؤلف بالثاء المثلثة.
(٢) بالتاء المثناة اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>