لفاعله، والجمع فيهما باعتبار معنى مَنْ كما أن الأفراد فيما سبق باعتبار لفظها أي والذين يدعون من لا يستجيبون لهم عن دعائهم إياهم غافِلُونَ لا يسمعون ولا يدرون، أما إن كان المدعو جمادا فظاهر، وأما إن كان من ذوي العقول فإن كان من المقبولين المقربين عند الله تعالى فلاشتغاله عن ذلك بما هو فيه من الخير أو كونه في محل ليس من شأن الذي فيه أن يسمع دعاء الداعي للبعد كعيسى عليه الصلاة والسلام اليوم أو لأن الله تعالى يصون سمعه عن سماع ذلك لأنه لكونه مما لا يرضي الله تعالى يؤلمه لو سمعه، وإن كان من أعداء الله تعالى كشياطين الجن والإنس الذين عبدوا من دون الله تعالى فإن كان ميتا فلاشتغاله بما هو فيه من الشر، وقيل: لأن الميت ليس من شأنه السماع ولا يتحقق منه سماع إلا معجزة كسماع أهل القليب، وفي هذا كلام تقدم بعضه وإن كان حيا فإن كان بعيدا مثلا فالأمر ظاهر، وإن كان قريبا سليم الحاسة فقيل: الكلام بالنسبة إليه بعد تأويل الغفلة بعدم السماع وعلى التغليب لندرة هذا الصنف.
ومن الناس من أوّل الغفلة بعدم الفائدة وتعقب بأنه حينئذ لا يكون لوصفهم بالغفلة بعد وصفهم بعدم الاستجابة كثير فائدة، واعتبر بعضهم التغليب من غير تأويل بمعنى أنه غلب من يتصور منه الغفلة حقيقة على غيره، وهذا كالتغليب في التعبير عن تلك الآلهة بما هو موضوع لأن يستعمل في العقلاء، وإن كانت الآية في عبدة الأصنام ونحوها مما لا يعقل تجوز في الغفلة وكان التعبير بما هو للعاقل لإجراء العبدة إياها مجرى العقلاء.
وقال بعضهم: على جعلها في عبدة الأصنام. إن وصفها بما ذكر من ترك الاستجابة والغفلة مع ظهور حالها للتهكم بها فتدبر ولا تغفل وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ عند قيام القيامة كانُوا أي المعبودون لَهُمْ أي العابدين أَعْداءً شديدي العداوة وَكانُوا أي المعبودون أيضا بِعِبادَتِهِمْ أي بعبادة الكفرة إياهم كافِرِينَ مكذبين، والأمر ظاهر في ذوي العقول. وأما في الأصنام فقد روي أن الله تعالى يخلق لها إدراكا وينطقها فتتبرأ عن عبادتهم وكذا تكون أعداء لهم، وجوز كون تكذيب الأصنام بلسان الحال لظهور أنهم لا يصلحون للعبادة وأنهم لا نفع لهم كما توهموه أولا حيث قالوا: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ [الزمر: ٣] ورجوا الشفاعة منهم. وفسرت العداوة بالضر على أنها مجاز مرسل عنه فمعنى كانُوا لَهُمْ أَعْداءً كانوا لهم ضارين، وما ذكرناه في بيان الضمائر هو الظاهر، وقيل: ضمير (هم) المرفوع البارز والمستتر في قوله تعالى: وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ للكفرة الداعين وضمير دُعائِهِمْ لهم أو للمعبودين، والمعنى أن الكفار عن ضلالهم بأنهم يدعون من لا يستجيب لهم غافلون لا يتأملون ما عليهم في ذلك، وفيه من ارتكاب خلاف الظاهر ما فيه، وفي الضمائر بعد نحو ذلك، والمعنى إذا حشر الناس كان الكفار أعداء لآلهتهم الباطلة لما يرون من ترتب العذاب على عبادتهم إياها وكانوا لذلك منكرين أنهم عبدوا غير الله تعالى كما حكى الله تعالى عنهم أنهم يقولون: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام: ٢٣] وتعقب بأن السياق لبيان حال الآلهة معهم لا عكسه، ولأن كفرهم حينئذ إنكار لعبادتهم وتسميته كفرا خلاف الظاهر وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ أي واضحات أو مبينات ما يلزم بيانه قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ أي الآيات المتلوة، ووضع موضع ضميرها تنصيصا على حقيتها ووجوب الإيمان بها كما وضع الموصوف موضع ضمير المتلو عليهم تسجيلا عليهم بكمال الكفر والضلالة.
وجوز كون المراد- بالحق- النبوة أو الإسلام فليس فيه موضوعا موضع الضمير، والأول أظهر، واللام متعلقة.
بقال على أنها لام العلة أي قالوا لأجل الحق وفي شأنه وما يقال في شأن شيء مسوق لأجله، وجوز تعلقه- بكفروا- على أنه بمعنى الباء أو حمل الكفر على نقيضه وهو الإيمان فإنه يتعدى باللام نحو أَنُؤْمِنُ لَكَ [الشعراء: ١١١] وهو