للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البديع يَضْرِبُ اللَّهُ أي يبين لِلنَّاسِ أي لأجلهم أَمْثالَهُمْ أي أحوال الفريقين المؤمنين والكافرين وأوصافهما الجارية في الغرابة مجرى الأمثال، وهي اتباع المؤمنين الحق وفوزهم وفلاحهم، واتباع الكافرين الباطل وخيبتهم وخسرانهم، وجوز أن يراد بضرب الأمثال التمثيل والتشبيه بأن جعل سبحانه اتباع الباطل مثلا لعمل الكفار والإضلال مثلا لخيبتهم واتباع الحق مثلا لعمل المؤمنين وتكفير السيئات مثلا لفوزهم والإشارة بذلك لما تضمنه الكلام السابق، وجوز كون ضمير أَمْثالَهُمْ للناس والفاء في قوله تعالى: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لترتيب ما في حيزها من الأمر على ما قبلها فإن ضلال أعمال الكفرة وخيبتهم وصلاح أحوال المؤمنين وفلاحهم مما يوجب أن يترتب على كل من الجانبين ما يليق به من الأحكام أي إذا كان الأمر كذلك فإذا لقيتموهم في المحارب فَضَرْبَ الرِّقابِ وقال الزمخشري: لَقِيتُمُ من اللقاء وهو الحرب و (ضرب) نصب على المصدرية لفعل محذوف والأصل اضربوا الرقاب ضربا فحذف الفعل وقدم المصدرية وأنيب منابه مضافا إلى المفعول، وحذف الفعل الناصب في مثل ذلك بما أضيف إلى معموله واجب، وهو أحد مواضع يجب فيها الحذف ذكرت في مطولات كتب النحو، وليس منها نحو ضربا زيدا على ما نص عليه ابن عصفور.

وذكر غير واحد أن فيما ذكر اختصارا وتأكيدا ولا كلام في الاختصار، وأما التأكيد فظاهر القول به أن المصدر بعد حذف عامله مؤكد، وقال الحمصي في حواشي التصريح: إن المصدر في ذلك مؤكد في الأصل وأما الآن فلا لأنه صار بمنزلة الفعل الذي سد هو مسده فلا يكون مؤكدا بل كل مصدر صار بدلا من اللفظ بالفعل لا يكون مؤكدا ولا مبينا لنوع ولا عدد، وضرب الرِّقابِ مجاز مرسل عن القتل، وعبر به عنه إشعارا بأنه ينبغي أن يكون بضرب الرقبة حيث أمكن وتصويرا له بأشنع صورة لأن ضرب الرقبة فيه إطارة الرأس الذي هو أشرف أعضاء البدن ومجمع حواسه وبقاء البدن ملقى على هيئة منكرة والعياذ بالله تعالى، وذكر أن في التعبير المذكور تشجيع المؤمنين وأنهم منهم بحيث يتمكنون من القتل بضرب أعناقهم في الحرب حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ أي أوقعتم القتل بهم بشدة وكثرة على أن ذلك مستعار من ثخن المائعات لمنعه عن الحركة، والمراد حتى إذا أكثرتم قتلهم وتمكنتم من أخذ من لم يقتل فَشُدُّوا الْوَثاقَ أي فأسروهم واحفظوهم، فالشد وكذا ما بعد في حق من أسر منهم بعد اثخانهم لا للمثخن إذ هو بالمعنى السابق لا يشد ولا يمن عليه ولا يفدى لأنه قد قتل أو المعنى حتى إذا أثقلتموهم بالجراح ونحوه بحيث لا يستطيعون النهوض فأسروهم واحفظوهم فالشد وكذا ما بعد في حق المثخن لأنه بهذا المعنى هو الذي لم يصل إلى حد القتل لكن ثقل عن الحركة فصار كالشيء الثخين الذي لم يسل ولم يستمر في ذهابه، والإثخان عليه مجاز أيضا، والْوَثاقَ في الأصل مصدر كالخلاص وأريد به هنا ما يوثق به. وقرىء «الوثاق» بالكسر وهو اسم لذلك، ومجيء فعال اسم آلة كالحزام والركاب نادر على خلاف القياس، وظاهر كلام البعض أن كلا من المفتوح والمكسور اسم لما يوثق به، ولعل المراد بيان المراد هنا.

فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً أي فإما تمنون منا وإما تفدون فداء، والكلام تفصيل لعاقبة مضمون ما قبله من شد الوثاق، وحذف الفعل الناصب للمصدر في مثل ذلك واجب أيضا، ومنه قوله:

لأجهدن فإما درء واقعة ... تخشى وإما بلوغ السؤل والأمل

وجوز أبو البقاء كون كل من مَنًّا وفِداءً مفعولا به لمحذوف أي أولوهم منّا أو اقبلوا منهم فداء، وليس كما قال أبو حيان إعراب نحوي. وقرأ ابن كثير في رواية شبل «وإمّا فدى» بالفتح والقصر كعصا. وزعم أبو حاتم أنه لا يجوز قصره لأنه مصدر فأديته، قال الشهاب: ولا عبرة به فإن فيه أربع لغات الفتح والكسر مع المد والقصر ولغة

<<  <  ج: ص:  >  >>