جعلها ضالة أي غير مهتدية على الإسناد المجازي، ومن قال الآية في المطعمين وأضرابهم قال: المعنى أبطل جلّ وعلا ما عملوه من الكيد لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم كالإنفاق الذي أنفقوه في سفرهم إلى محاربته عليه الصلاة والسلام وغيره بنصر رسوله صلّى الله عليه وسلّم وإظهار دينه على الدين كله، ولعله أوفق بما بعده، وكذا بما قيل إن الآية نزلت ببدر.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قال ابن عباس فيما أخرجه عنه جماعة منهم الحاكم وصححه هم أهل المدينة الأنصار، وفسر رضي الله تعالى عنه الَّذِينَ كَفَرُوا بأهل مكة قريش، وقال مقاتل: هم ناس من قريش، وقيل:
مؤمنو أهل الكتاب، وقيل: أعم من المذكورين وغيرهم فإن الموصول من صيغ العموم ولا داعي للتخصيص وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ من القرآن، وخص بالذكر الإيمان بذلك مع اندراجه فيما قبله تنويها بشأنه وتنبيها على سمو مكانه من بين سائر ما يجب الإيمان به وانه الأصل في الكل ولذلك أكد بقوله تعالى: وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وهو جملة معترضة بين المبتدأ والخبر مفيدة لحصر الحقية فيه على طريقة الحصر في قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ وقولك: حاتم الجواد فيراد بالحق ضد الباطل، وجوز أن يكون الحصر على ظاهره والحق الثابت، وحقية ما نزل عليه عليه الصلاة والسلام لكونه ناسخا لا ينسخ وهذا يقتضي الاعتناء به ومنه جاء التأكيد، وأيا ما كان فقوله تعالى مِنْ رَبِّهِمْ حال من ضمير الْحَقُّ وقرأ زيد بن علي. وابن مقسم «نزل» مبنيا للفاعل. والأعمش «أنزل» معدى بالهمزة مبنيا للمفعول، وقرىء «أنزل» بالهمز مبنيا للفاعل «ونزل» بالتخفيف كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ أي سترها بالإيمان والعمل الصالح، والمراد إزالها ولم يؤاخذهم بها وَأَصْلَحَ بالَهُمْ أي حالهم في الدين والدنيا بالتوفيق والتأييد، وتفسير البال بالحال مروي عن قتادة وعنه تفسيره بالشأن وهو الحال أيضا أو ما له خطر، وعليه قول الراغب: البال الحال التي يكترث بها، ولذلك يقال: ما باليت بكذا بالة أي ما اكترثت به، ومنه
قوله صلّى الله عليه وسلّم:«كل أمر ذي بال» الحديث
ويكون بمعنى الخاطر القلبي ويتجوز به عن القلب كما قال الشهاب. وفي البحر حقيقة البال الفكر والموضع الذي فيه نظر الإنسان وهو القلب ومن صلح قلبه صلحت حاله، فكأن اللفظ مشير إلى صلاح عقيدتهم وغير ذلك من الحال تابع له، وحكى عن السفاقسي تفسيره هنا بالفكر وكأنه لنحو ما أشير إليه، وهو كما في البحر أيضا مما لا يثنى ولا يجمع وشذ قولهم في جمعه بآلات ذلِكَ إشارة إلى ما مر من الإضلال والتكفير والإصلاح وهو مبتدأ خبره قوله تعالى: بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ أي ذلك كائن بسبب اتباع الأولين الباطل واتباع الآخرين الحق والمراد بالحق والباطل معناهما المشهور.
وأخرج ابن المنذر. وغيره عن مجاهد تفسير الْباطِلَ بالشيطان. وفي البحر قال مجاهد: الباطل الشيطان وكل ما يأمر به والْحَقَّ هو الرسول والشرع، وقيل: الباطل ما لا ينتفع به، وجوز الزمخشري كون ذلك خبر مبتدأ محذوف وبِأَنَّ إلخ في محل نصب على الحال، والتقدير الأمر ذلك أي كما ذكر ملتبسا بهذا السبب.
والعامل في الحال إما معنى الإشارة وإما نحو أثبته وأحقه فإن الجملة تدل على ذلك لأنه مضمون كل خبر وتعقبه أبو حيان بأن فيه ارتكابا للحذف من غير داع له، والجار والمجرور أعني مِنْ رَبِّهِمْ في موضع الحال على كل حال، والكلام أعني قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ إلى قوله سبحانه: مِنْ رَبِّهِمْ تصريح بما أشعر به الكلام السابق من السببية لما فيه من البناء على الموصول، ويسميه علماء البيان التفسير، ونظيره ما أنشده الزمخشري لنفسه:
به فجع الفرسان فوق خيولهم ... كما فجعت تحت الستور العواتق
تساقط من أيديهم البيض حيرة ... وزعزع عن أجيادهن المخانق
فإن فيه تفسيرا على طريق اللف والنشر كما في الآية وهو من محاسن الكلام كَذلِكَ أي مثل ذلك الضرب