للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجهاد فإذا أنزلت وأمروا فيها بما تمنوا وحرصوا عليه كاعوا وشق عليهم وسقط في أيديهم كقوله تعالى: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ [النساء: ٧٧] والظاهر ما ذكرناه أولا من أن القائلين هم الذين أخلصوا في إيمانهم وإنما عرا المنافقين ما عرا عند نزول أمير المؤمنين بالجهاد لدخولهم فيهم بحسب ظاهر حالهم، وقد جوز هو أيضا إرادة الخلص من الذين آمنوا لكن كلامه ظاهر في ترجح ما ذكره أولا عنده والظاهر أن في الكلام عليه إقامة الظاهر مقام المضمر، وجوز أن يكون المطلوب في قوله تعالى: لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ إنزال سورة مطلقا حيث كانوا يستأنسون بالوحي ويستوحشون إذا أبطأ، وروي نحوه عن ابن جريج. أخرج ابن المنذر عنه أنه قال في الآية: كان المؤمنون يشتاقون إلى كتاب الله تعالى وإلى بيان ما ينزل عليهم فيه فإذا نزلت السورة يذكر فيها القتال رأيت يا محمد المنافقين ينظرون إليك إلخ.

فَأَوْلى لَهُمْ تهديد ووعيد على ما روي عن غير واحد، وعن أبي علي أن (أولى) فيه علم لعين الويل مبني على زنة أفعل من لفظ الويل على القلب وأصله أويل وهو غير منصرف للعلمية والوزن. فالكلام مبتدأ وخبر.

واعترض بأن الويل غير متصرف فيه، ومثل يوم أيوم مع أنه غير منقاس لا يفرد عن الموصوف البتة، وإن القلب خلاف الأصل لا يرتكب إلا بدليل، وإن علم الجنس شيء خارج عن القياس مشكل التعقل خاصة فيما نحن فيه، ثم قيل: إن الاشتقاق الواضح من الولي بمعنى القرب كما في قوله:

تكلفني ليلى وقد شط وليها ... وعادت عواد بيننا وخطوب

يرشد إلى أنه للتفضيل في الأصل غلب في قرب الهلاك ودعاء السوء كأنه قيل: هلاكا أولى لهم بمعنى أهلكهم الله تعالى هلاكا أقرب لهم من كل شر وهلاك، وهذا كما غلب بعدا وسحقا في الهلاك، وهو على هذا منصوب على أنه صفة في الأصل لمصدر محذوف وقد أقيم مقامه والجار متعلق به. وفي الصحاح عن الأصمعي أولى له قاربه ما يهلكه أي نزل به وأنشد:

فعادى بين هاديتين منها ... وأولى أن يزيد على الثلاث

أي قارب أن يزيد، قال ثعلب: ولم يقل أحد في (أولى) أحسن مما قاله الأصمعي، وعلى هذا هو فعل مستتر فيه ضمير الهلاك بقرينة السياق، وقريب منه ما قيل: إنه فعل ماض وفاعله ضميره عزّ وجلّ واللام مزيدة أي أولاهم الله تعالى ما يكرهون أو غير مزيدة أي أدنى الله عزّ وجلّ الهلاك لهم، والظاهر زيادة اللام على ما سمعت عن الأصمعي، ومن فسره بقرب جوز الأمرين، وقيل: هو اسم فعل والمعنى وليهم شر بعد شر. وقيل: هو فعلى من آل بمعنى رجع لا أفعل من الولي فهو في الأصل دعاء عليهم بأن يرجع أمرهم إلى الهلاك، والمراد أهلكهم الله تعالى إلا أن التركيب مبتدأ وخبر، وقال الرضي: هو علم للوعيد من وليه الشر أي قربه، والتركيب مبتدأ وخبر أيضا. واستدل بما حكي أبو زيد من قولهم: أولاة بتاء التأنيث على أنه ليس بأفعل تفضيل ولا أفعل فعلى وإنه علم وليس بفعل ثم قال: بل هو مثل أرمل وأرملة إذا سمي بهما ولذا لم ينصرف، وليس اسم فعل أيضا بدليل أولاة في تأنيثه بالرفع يعني أنه معرب ولو كان اسم فعل كان مبنيا مثله. وتعقب بأنه لا مانع من كون أولاة لفظا آخر بمعناه يرد من ذلك على قائلي ما تقدم أصلا، وجاء أول أفعل تفضيل وظرفا كقبل وسمع فيه أولة كما نقله أبو حيان، وقيل: الأحسن كونه أفعل تفضيل بمعنى أحق وأحرى وهو خبر لمبتدأ محذوف يقدر في كل مقام بما يليق به والتقدير هاهنا العقاب أولى لهم، وروي ذلك عن قتادة ومال إلى هذا القول ابن عطية، وعلى جميع هذه الأقوال قوله تعالى: طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ كلام مستقل محذوف منه أحد

<<  <  ج: ص:  >  >>