الحسن وأبو رجاء والأعمش: وعيسى وطلحة وحمزة وأبو بكر «السلم» بكسر السين وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ أي الأغلبون، والعلو بمعنى الغلبة مجاز مشهور، والجملة حالية مقررة لمعنى النهي مؤكدة لوجوب الانتهاء وكذا قوله تعالى: وَاللَّهُ مَعَكُمْ أي ناصركم فإن كونهم الأغلبين وكونه عز وجل ناصرهم من أقوى موجبات الاجتناب عما يوهم الذل والضراعة.
وقال أبو حيان: يجوز أن يكونا جملتين مستأنفتين أخبروا أولا أنهم الأعلون وهو إخبار بمغيب أبرزه الوجود ثم ارتقى إلى رتبة أعلى من التي قبلها وهي كون الله تعالى معهم وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ قال: ولن يظلمكم، وقيل: ولن ينقصكم، وقيل: ولن يضيعها، وهو كما قال أبو عبيد. والمبرد من وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا من ولد أو أخ أو حميم أو سلبته ماله وذهبت به، قال الزمخشري: وحقيقته أفردته من قريبه أو ماله من الوتر وهو الفرد، فشبه إضاعة عمل العامل وتعطيل ثوابه بوتر الواتر وهو من فصيح الكلام، وفيه هنا من الدلالة على مزيد لطف الله تعالى ما فيه، ومنه
قوله صلّى الله عليه وسلّم:«من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله»
والظاهر على ما ذكره أنه لا بد من تضمين وترته معنى السلب ونحوه ليتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه، وفي الصحاح أنه من الترة وحمله على نزع الخافض أي جعلته موتورا لم يدرك ثاره في ذلك كأنه نقصه فيه وجعله نظير دخلت البيت أي فيه وهو سديد أيضا.
وجوز بعضهم (يتر) هاهنا متعديا لواحد وأَعْمالَكُمْ بدل من ضمير الخطاب أي لن يتر أعمالكم من ثوابها والجملة قيل معطوفة على قوله تعالى: مَعَكُمْ وهي وإن لم تقع حالا استقلالا لتصديرها بحرف الاستقبال المنافي للحال على ما صرح به العلامة التفتازاني وغيره لكنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره، وقيل: المانع من وقوع المصدرة بحرف الاستقبال حالا مخالفته للسماع وإلا فلا مانع من كونها حالا مقدرة مع أنه يجوز أن تكون لَنْ لمجرد تأكيد النفي، والظاهر أن المانعين بنوا المنع على المنافاة وإنها إذا زالت باعتبار أحد الأمرين فلا منع لكن قيل:
إن الحال المقصود منها بيان الهيئة غير الحال الذي هو أحد الأزمنة والمنافاة إنما هي بين هذا الحال والاستقبال. وهذا نظير ما قال مجوزو مجيء الجملة الماضية حالا بدون قد، وما لذلك وما عليه في كتب النحو، وإذا جعلت الجملة قبل مستأنفة لم يكن إشكال في العطف أصلا.
إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ لا ثبات لها ولا اعتداد بها وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ أي ثواب إيمانكم وتقواكم من الباقيات الصالحات التي يتنافس فيها المتنافسون وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ عطف على الجزاء والإضافة للاستغراق، والمعنى إن تؤمنوا لا يسألكم جميع أموالكم كما يأخذ من الكافر جميع ماله، وفيه مقابلة حسنة لقوله تعالى: يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ كأنه قيل: يعطكم كل الأجور ويسألكم بعض المال وهو ما شرعه سبحانه من الزكاة، وقول سفيان بن عيينة أي لا يسألكم كثيرا من أموالكم إنما يسألكم ربع العشر فطيبوا أنفسكم بيان لحاصل المعنى، وقيل: أي لا يسألكم ما هو ما لكم حقيقة وإنما يسألكم ماله عزّ وجلّ وهو المالك لها حقيقة وهو جل شأنه المنعم عليكم بالانتفاع بها، وقيل: أي لا يسألكم أموالكم لحاجته سبحانه إليها بل ليرجع إنفاقكم إليكم، وقيل: أي لا يسألكم الرسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا من أموالكم أجرا على تبليغ الرسالة كما قال تعالى: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص: ٨٦] ووجه التعليق عليها غير ظاهر وفي بعضها أيضا ما لا يخفى إِنْ يَسْئَلْكُمُوها أي أموالكم فَيُحْفِكُمْ فيجهدكم بطلب الكل فإن الإحفاء والإلحاف المبالغة وبلوغ الغاية في كل شيء يقال: أحفاه في المسألة إذا لم يترك شيئا من الإلحاح وأحفى شاربه استأصله وأخذه أخذا متناهيا، وأصل ذلك على ما قال الراغب من أحفيت الدابة جعلته حافيا أي منسحج الحافر والبعير جعلته منسحج الفرسن من المشي حتى يرق تَبْخَلُوا جواب