الشرط، والمراد بالبخل هنا ترك الإعطاء إذ هو على المعنى المشهور أمر طبيعي لا يترتب على السؤال وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ أي أحقادكم لمزيد حبكم للمال وضمير يُخْرِجْ لله تعالى ويعضده قراءة يعقوب. ورويت أيضا عن ابن عباس «ونخرج» بالنون مضمومة، وجوز أن يكون للسؤال أو للبخل فإنه سبب إخراج الأضغان والإسناد على ذلك مجازي. وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو «ويخرج» بالرفع على الاستئناف، وجوز جعل الجملة حالا بتقدير وهو يخرج وحكاها أبو حاتم عن عيسى، وفي اللوامح عن عبد الوارث عن أبي عمرو وَيُخْرِجْ بالياء التحتية وفتحها وضم الراء والجيم «أضغانكم» بالرفع على الفاعلية.
وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن سيرين وابن محيصن وأيوب بن المتوكل واليماني «وتخرج» بتاء التأنيث ورفع «أضغانكم» ، وقرىء «ويخرج» بضم الياء التحتية وفتح الراء «أضغانكم» رفعا على النيابة عن الفاعل وهي كروية عن عيسى إلا أنه فتح الجيم بإضمار أن فالواو عاطفة على مصدر متصيد أي يكن بخلكم وإخراج أضغانكم.
ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ أي أنتم أيها المخاطبون هؤلاء الموصوفون بما تضمنه قوله تعالى: إِنْ يَسْئَلْكُمُوها إلخ، والجملة مبتدأ وخبر وكررت ها التنبيهية للتأكيد، وقوله سبحانه: تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلخ استئناف مقرر ومؤكد لذلك لاتحاد محصل معناهما فإن دعوتهم للإنفاق هو سؤل الأموال منهم وبخل ناس منهم هو معنى عدم الإعطاء المذكور مجملا أولا أو صلة لهؤلاء على أنه بمعنى الذين فإن اسم الإشارة يكون موصولا مطلقا عند الكوفيين وأما البصريون فلم يثبتوا اسم الإشارة موصولا إلا إذا تقدمه ما الاستفهامية باتفاق أو من الاستفهامية باختلاف، والإنفاق في سبيل الله تعالى هو الإنفاق المرضي له تعالى شأنه مطلقا فيشمل النفقة للعيال والأقارب والغزو وإطعام الضيوف والزكاة وغير ذلك وليس مخصوصا بالإنفاق للغزو أو بالزكاة كما قيل.
فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ أي ناس يبخلون وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ فلا يتعدى ضرر بخله إلى غيرها يقال: بخلت عليه وبخلت عنه لأن البخل فيه معنى المنع ومعنى التضييق على من منع عنه المعروف والأضرار فناسب أن يعدى بعن للأول وبعلى للثاني، وظاهر أن من منع المعروف عن نفسه فأضراره عليها فلا فرق بين اللفظين في الحاصل، وقال الطيبي: يمكن أن يقال يبخل عن نفسه على معنى يصدر البخل عن نفسه لأنها مكان البخل ومنبعه كقوله تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ [الحشر: ٩، التغابن: ١٦] وهو كما ترى وَاللَّهُ الْغَنِيُّ لا غيره عزّ وجلّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ الكاملون في الفقر فما يأمركم به سبحانه فهو لاحتياجكم إلى ما فيه من المنافع التي لا تقتضي الحكمة إيصالها بدون ذلك فإن امتثلتم فلكم وإن توليتم فعليكم، وقوله تعالى وَإِنْ تَتَوَلَّوْا عطف على قوله سبحانه:
إِنْ تُؤْمِنُوا أي وإن تعرضوا عن الإيمان والتقوى يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ يخلق مكانكم قوما آخرين وهو كقوله تعالى: يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ [إبراهيم: ١٩] ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ في التولي عن الإيمان والتقوى بل يكونون راغبين فيهما.
وثم للتراخي حقيقة أو لبعد المرتبة عما قبل، والمراد بهؤلاء القوم أهل فارس،
فقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط. والبيهقي في الدلائل والترمذي وهو حديث صحيح على شرط مسلم عن أبي هريرة قال:«تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية وَإِنْ تَتَوَلَّوْا إلخ فقالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونون أمثالنا؟ فضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منكب سلمان ثم قال: هذا وقومه والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس» .
وجاء في رواية ابن مردويه عن جابر الدين بدل الإيمان، وقيل: هم الأنصار، وقيل: أهل اليمن، وقيل: كندة.