للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخوارج عليه رضي الله تعالى عنه وأنه لو سلّم إسلامهم يراد بالإسلام في الآية الانقياد إلى الطاعة وموالاة الأمير، وفيه ما لا يخفى، والإنصاف أن الآية لا تكاد تصح دليلا على إمامة الصديق رضي الله تعالى عنه إلا إن صح غير مرفوع في كون المراد بالقوم بني حنيفة ونحوهم ودون ذلك خرط القتاد، ونفى بعضهم صحة كون المراد بالقوم فارسا والروم لأن المراد في قوله تعالى: تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ على ما سمعت وفارس مجوس والروم نصارى فلا يتعين فيهم أحد الأمرين من المقاتلة والإسلام إذ يقبل منهم الجزية، وكذا اليوم ومشركو العجم والصابئة عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وقال: يتعين كونهم مرتدين أو مشركي العرب لأنهم الذين لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، ومثل مشركي العرب مشركو العجم عند الشافعي رضي الله تعالى عنه فعنده لا تقبل إلا من أهل الكتاب والمجوس، وأنت تعلم ان من فسر القوم بذلك يفسر الإسلام بالانقياد وهو يكون بقبول الجزية فلا يتم له أمر النفي فلا تغفل فَإِنْ تُطِيعُوا الداعي فيما دعاكم إليه يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً هو على ما قيل الغنيمة في الدنيا والجنة في الأخرى وَإِنْ تَتَوَلَّوْا عن الدعوة كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ في الحديبية يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً لتضاعف جرمكم، وهذا التعذيب قال في البحر: يحتمل أن يكون في الدنيا وأن يكون في الآخرة، ويحتمل عندي وهو الأوفق بما قبله على ما قيل كونه فيهما ولا بأس بكون كل من الإيتاء والتعذيب في الآخرة بل لعله المتبادر لكثرة استعمالهما في ذلك، ولا يحسن كون الأمرين في الدنيا ولا كون الأول في الآخرة أو فيها وفي الدنيا والثاني في الدنيا فقط لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ أي إثم وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ أي في التخلف عن الغزو لما بهم من العذر والعاهة، وفي نفي الحرج عن كل من الطوائف المعدودة مزيد اعتناء بأمرهم وتوسيع لدائرة الرخصة، وليس في نفي ذلك عنهم نهي لهم عن الغزو بل قالوا: إن أجرهم مضاعف في الغزو، وقد غزا ابن أم مكتوم وكان أعمى رضي الله تعالى عنه وحضر في بعض حروب القادسية وكان يمسك الراية. وفي البحر لو حصر المسلمون فالفرض متوجه بحسب الوسع في الجهاد وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فيما ذكر من الأوامر والنواهي.

يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ عن الطاعة يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً لا يقادر قدره والمعنى بالوعد والوعيد هنا أعم من المعنى بهما فيما سبق كما ينبىء عن ذلك التعبير بمن هنا وبضمير الخطاب هناك، وقيل في الوعيد يُعَذِّبْهُ إلخ دون يدخله نارا ونحوه مما هو أظهر في المقابلة لقوله تعالى: يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ إلخ اعتناء بأمره من حيث إن التعذيب يوم القيامة عذابا أليما يستلزم إدخال النار وإدخالها لا يستلزم ذلك، واعتنى به لأن المقام يقتضيه ولذا جيء به كالمكرر مع الوعيد السابق، ويكفي في الإشارة إلى سبق الرحمة إخراج الوعد هاهنا كالتفصيل لما تقدم والتعبير هناك بإيتاء الأجر الحسن الظاهر في الاستحقاق مع إسناد الإيتاء إلى الاسم الجليل نفسه فتأمل فلمسلك الذهن اتساع. وقرأ الحسن وقتادة وأبو جعفر والأعرج وشيبة وابن عامر ونافع «ندخله» و «نعذبه» بالنون فيهما، ولما ذكر سبحانه حال من تخلف عن السفر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكر عز وجل حال المؤمنين الخلص الذين سافروا معه عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وهم أهل الحديبية إلا جد بن قيس فإنه كان منافقا ولم يبايع.

وأصل هذه البيعة وتسمى بيعة الرضوان لقول الله تعالى فيها: لَقَدْ رَضِيَ إلخ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما نزل الحديبية بعث خراشا بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة وألف بعدها شين معجمة ابن أمية الخزاعي رسولا إلى أهل مكة وحمله على جمل له يقال له: الثعلب يعلمهم أنه جاء معتمرا لا يريد قتالا فلما أتاهم وكلمهم عقروا جمله وأرادوا قتله فمنعه الأحابيش فخلوا سبيله حتى أتى الرسول صلّى الله عليه وسلّم فدعا عمر رضي الله تعالى عنه ليبعثه فقال: يا رسول الله إن القوم

<<  <  ج: ص:  >  >>