قد عرفوا عداوتي لهم وغلظي عليهم وإني لا آمن وليس بمكة أحد من بني عدي يغضب لي إن أوذيت فأرسل عثمان ابن عفان فإن عشيرته بها وهم يحبونه وأنه يبلغ ما أردت فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عثمان فأرسله إلى قريش
وقال: أخبرهم أنّا لم نأت بقتال وإنما جئنا عمارا وادعهم إلى الإسلام
وأمره عليه الصلاة والسلام أن يأتي رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات فيبشرهم بالفتح ويخبرهم أن الله تعالى قريبا يظهر دينه بمكة فذهب عثمان رضي الله تعالى عنه إلى قريش وكان قد لقيه أبان بن سعيد بن العاص فنزل عن دابته وحمله عليها وأجاره فأتى قريشا فأخبرهم فقالوا له إن شئت فطف بالبيت وأما دخولكم علينا فلا سبيل إليه فقد رضي الله تعالى عنه: ما كنت لأطوف به حتى يطوف به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاحتبسوه فبلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين أن عثمان قد قتل
فقال عليه الصلاة والسلام: لا نبرح حتى نناجز القوم
ونادى مناديه عليه الصلاة والسلام إلا أن روح القدس قد نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمره بالبيعة فاخرجوا على اسم الله تعالى فبايعوه فثار المسلمون إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبايعوه، قال جابر كما في صحيح مسلم وغيره: بايعناه صلّى الله عليه وسلّم على أن لا نفرّ ولم نبايعه على الموت.
وأخرج البخاري عن سلمة بن الأكوع قال: بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت الشجرة، قيل:
على أي شيء تبايعون يومئذ؟ قال: على الموت
وأخرج مسلم عن معقل بن يسار أنه كان آخذا بأغصان الشجرة عن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يبايع الناس وكان أول من بايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ أبا سنان وهو وهب بن محصن أخو عكاشة بن محصن، وقيل: سنان بن أبي سنان،
وروى الأول البيهقي في الدلائل عن الشعبي وأنه قال للنبي عليه الصلاة والسلام: ابسط يدك أبايعك فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: علام تبايعني؟ قال: على ما في نفسك
. وفي حديث جابر الذي أخرجه مسلم أنه قال: بايعناه عليه الصلاة والسلام وعمر رضي الله تعالى عنه آخذ بيده، ولعل ذلك ليس في مبدأ البيعة وإلا ففي صحيح البخاري عن نافع أن عمر رضي الله تعالى عنه يوم الحديبية أرسل ابنه عبد الله إلى فرس له عند رجل من الأنصار أن يأتي به ليقاتل عليه ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبايع عند الشجرة وعمر لا يدري بذلك فبايعه عبد الله ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى عمر وعمر رضي الله تعالى عنه يستلئم للقتال فأخبره أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبايع تحت الشجرة فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وصح أنه صلّى الله عليه وسلّم ضرب بيده اليمنى على يده الأخرى وقال: هذه بيعة عثمان
ولما سمع المشركون بالبيعة خافوا وبعثوا عثمان رضي الله تعالى عنه وجماعة من المسلمين وكانت عدة المؤمنين ألفا وأربعمائة على الأصح عند أكثر المحدثين ورواه البخاري عن جابر، وروي عن سعيد بن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب بلغني أن جابر بن عبد الله كان يقول: كانوا أربع عشرة مائة فقال لي سعيد: حدثني جابر كانوا خمس عشرة مائة الذين بايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتابعه أبو داود. وروي أيضا عن عبد الله بن أوفى قال: كان أصحاب الشجرة ألفا وثلاثمائة، وعند أبي شيبة من حديث سلمة بن الأكوع أنهم كانوا ألفا وسبعمائة، وجزم موسى بن عقبة بأنهم كانوا ألفا وستمائة، وحكى ابن سعد أنهم ألف وخمسمائة وخمسة وعشرون، وجمع بين الروايات بأنها بناء على عد الجميع أو ترك الأصاغر والأتباع والأوساط أو نحو ذلك وأما قول ابن إسحاق: إنهم كانوا سبعمائة فلم يوافقه أحد عليه لأنه قاله استنباطا من قول جابر: تنحر البدنة عن عشرة وكانوا نحروا سبعين بدنة، وهذا لا يدل على أنهم ما كانوا نحروا غير البدن مع أن بعضهم كأبي قتادة لم يكن أحرم أصلا، والشجرة كانت سمرة، والمشهور أن الناس كانوا يأتونها فيصلون عندها فبلغ ذلك عمر رضي الله تعالى عنه فأمر بقطعها خشية الفتنة بها لقرب الجاهلية وعبادة غير الله تعالى فيهم.
وفي الصحيحين من حديث طارق بن عبد الرحمن قال: انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون قلت: ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرة حيث بايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيعة الرضوان فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته فقال: حدثني أبي أنه كان ممن بايع رسول الله عليه الصلاة والسلام تحت الشجرة قال: فلما كان من العام المقبل نسيناها فلم نقدر