عليها ثم قال سعيد: إن أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأيكم أعلم، والرضا يقابل السخط وقد يستعمل بعن والباء ويعدى بنفسه وهو مع عن إنما يدخل على العين لا المعنى ولكن باعتبار صدور معنى منه يوجب الرضا وما في الآية من هذا القسم، والمعنى الموجب للرضا فيها هو المبايعة، وإذا ذكر مع العين معنى بالباء فقيل رضيت عن زيد بإحسانه كانت الباء للسببية وجاز أن تكون صلة وتتعين للسببية مع مقابلة نحو سخطت عليه بإساءته وهو مع الباء نحو رضيت به يجب دخوله على المعنى إلا إذا دخل على الذات تمهيدا للمعنى ليكون أبلغ فتقول رضيت بقضاء الله تعالى ورضيت بالله تعالى ربا وقاضيا، وإذا عدي بنفسه جاز دخوله على الذات نحو رضيت زيدا وإن كان باعتبار المعنى تنبيها على أن كله مرضي بتلك الخصلة، وفيه مبالغة، وجاز دخوله على المعنى كرضيت إمارة فلان، والأول أكثر استعمالا، وإذا استعمل مع اللام تعدى بنفسه كقولك: رضيت لك التجارة، وفيه تجوز إما لجعل الرضا مجازا عن الاستحماد وإما لأنك جعلت كونه مرضيا له بمنزلة كونه مرضيا لك مبالغة في أنه في نفسه مرضي محمود وانك تختار له ما تختار لنفسك وهذا أبلغ، ثم هو في حق الحق تعالى شأنه محال عند الخلف قالوا: لأن سبحانه لا تحدث له صفة عقيب أمر البتة، فهو عندهم مجاز إما من أسماء الصفات إذا فسر بإرادة أن يثيبهم إثابة من رضي عمن تحت يده، وأما من أسماء الأفعال إذا فسر بالإثابة وكذا إذا أريد الاستحماد وفي البحر أن العامل بإذ في الآية هو رضي وهو هنا بمعنى إظهار عليهم فهو صفة فعل لا صفة ذات ليتقيد بالزمان، وأنت تعلم أن السلف لا يؤولون مثل ذلك ويثبتونه له تعالى على الوجه اللائق به سبحانه ويصرفون الحدوث الذي يستدعيه التقييد بالزمان إلى التعلق، ثم إن تقييد الرضا بزمان المبايعة يشعر بعلّيتها له فلا حاجة إلى جعل إذ للتعليل، والتعبير بالمضارع لاستحضار صورة المبايعة، وقوله سبحانه: تَحْتَ الشَّجَرَةِ إما متعلق بيبايعونك أو بمحذوف هو حال من مفعوله، وفي التقييد بذلك إشارة إلى مزيد وقع تلك المبايعة وأنها لم تكن عن خوف منه عليه الصلاة والسلام ولذا استوجبت رضا الله تعالى الذي لا يعادله شيء ويستتبع ما لا يكاد يخطر على بال ويكفي فيما ترتب على ذلك ما
أخرج أحمد عن جابر. ومسلم عن أم بشر عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة»
وقد قال عليه الصلاة والسلام ذلك عند حفصة فقالت: بلى يا رسول الله فانتهرها فقالت: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [مريم: ٧١] فقال عليه الصلاة والسلام قد قال الله تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا [مريم: ٧٢] .
وصح برواية الشيخين وغيرهما في أولئك المؤمنين من
حديث جابر أنه صلّى الله عليه وسلّم قال لهم: أنتم خير أهل الأرض
فينبغي لكل من يدعي الإسلام حبهم وتعظيمهم والرضا عنهم وإن كان غير ذلك لا يضرهم بعد رضا الله تعالى عنهم، وعثمان منهم بل كانت يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له رضي الله تعالى عنه. كما قال أنس. خيرا من أيديهم لأنفسهم فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ أي من الصدق والإخلاص في مبايعتهم، وروي نحو ذلك عن قتادة وابن جريج وعن الفراء، وقال الطبري. ومنذر بن سعيد: من الإيمان وصحته وحب الدين والحرص عليه، وقيل: من الهم والأنفة من لين الجانب للمشركين وصلحهم، واستحسنه أبو حيان والأول عندي أحسن.
وهو عطف على يُبايِعُونَكَ لما عرفت من أنه بمعنى بايعوك، وجوز عطفه على رَضِيَ بتأويله بظهر علمه فيصير مسببا عن الرضا مترتبا عليه فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ أي الطمأنينة والأمن وسكون النفس والربط على قلوبهم بالتشجيع، وقيل: بالصلح وليس بذاك، والظاهر أنه عطف على فَعَلِمَ.
وفي الإرشاد أنه عطف على رَضِيَ وظاهر كلام أبي حيان الأول وحيث استحسن تفسير ما في القلوب بما سمعت آنفا قال: إن السكينة هنا تقرير قلوبهم وتذليلها لقبول أمر الله تعالى، وقال مقاتل: فعلم الله ما في قلوبهم من