عليها واستولى فهي في قبض قدرته تعالى يظهر عليها من أراد، وقد أظهر كم جل شأنه عليها وأظفركم بها، وقيل:
مجاز عن الحفظ أي قد حفظها لكم ومنعها من غيركم، والتذييل بقوله سبحانه: وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً أوفق بالأول، وعموم قدرته تعالى لكونها مقتضى الذات فلا يمكن أن تتغير ولا أن تتخلف وتزول عن الذات بسبب ما كما تقرر في موضعه، فتكون نسبتها إلى جميع المقدورات على سواء من غير اختصاص ببعض منها دون بعض وإلا كانت متغايرة بل مختلفة، وجوز كون أُخْرى منصوبة بفعل يفسره قد أحاط الله بها مثل قضى.
وتعقب بأن الإخبار بقضاء الله تعالى بعد اندراجها في جملة الغنائم الموعود بها بقوله تعالى: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها ليس فيه مزيد فائدة وإنما الفائدة في بيان تعجيلها، وأورد عليه أن المغانم الكثيرة الموعودة ليست معينة ليدخل فيها الأخرى، ولو سلم فليس المقصود بالإفادة كونها مقضية بل ما بعده فتدبر، وجوز كونها مرفوعة بالابتداء والجملة بعدها صفة وجملة قد أحاط إلخ خبرها، واستظهر هذا الوجه أبو حيان، وقال بعض: الخبر محذوف تقديره ثمت أو نحوه، وجوز الزمخشري كونها مجرورة بإضمار رب كما في قوله: وليل كموج البحر أرخى سدوله. وتعقبه أبو حيان بأن فيه غرابة لأن رب لم تأت في القرآن العظيم جارة مع كثرة ورود ذلك في كلام العرب فكيف تضمر هنا، وأنت تعلم أن مثل هذه الغرابة لا تضر، هذا وتفسير الأخرى بمغانم هوازن قد أخرجه عبد بن حميد عن عكرمة عن ابن عباس واختاره غير واحد، وقال قتادة. والحسن: هي مكة وقد حاولوها عام الحديبية ولم يدركوها فأخبروا بأن الله تعالى سيظفرهم بها ويظهرهم عليها، وفي رواية أخرى عن ابن عباس والحسن، ورويت عن مقاتل أنها بلاد فارس والروم وما فتحه المسلمون، وهو غير ظاهر على تفسير المغانم الكثيرة الموعودة فيما سبق بما وعد الله تعالى به المسلمين من المغانم إلى يوم القيامة، وأيضا تعقبه بعضهم بأن لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها يشعر بتقدم محاولة لتلك البلاد وفوات دركها المطلوب مع أنه لم تتقدم محاولة.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال: هي خيبر، وروي ذلك عن الضحاك وإسحق وابن زيد أيضا، وفيه خفاء فلا تغفل وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي من أهل مكة ولم يصالحوكم كما روي عن قتادة، وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنهم حليفا أهل خيبر أسد: وغطفان، وقيل: اليهود وليس بذاك لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ أي لانهزموا فتولية الدبر كناية عن الهزيمة ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا يحرسهم، وذكر الخفاجي أن الحارس أحد معاني الولي، وتفسيره هنا بذلك لمناسبته للمنهزم، وقال الراغب: كل من ولي أمر آخر فهو وليه، وعليه فالحارس ولي لأنه يلي أمر المحروس، والتنكير للتعميم أي لا يجدون فردا ما من الأولياء وَلا نَصِيراً ولا فردا ما من الناصرين ينصرهم، وقال الإمام: أريد بالولي: من ينفع باللطف وبالنصير من ينفع بالعنف سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ نصب على المصدرية بفعل محذوف أي سن سبحانه غلبة أنبيائه عليهم السلام سنة قديمة فيمن مضى من الأمم كما قال سبحانه: لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة: ٢١] على ما هو المتبادر من معناه، ولعل المراد أن سنته تعالى أن تكون العاقبة لأنبيائه عليهم السلام لا أنهم كلما قاتلوا الكفار غلبوهم وهزموهم وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا تغييرا وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ أي أيدي كفار مكة، وفي التعبير- بكف- دون منع ونحوه لطف لا يخفى وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ يعني الحديبية كما أخرج ذلك عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة. وقد تقدم أن بعضها من حرم مكة، وان لم يسلم فالقرب التام كاف ويكون إطلاق بطن مَكَّةَ عليها مبالغة مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ مظهرا لكم عَلَيْهِمْ فتعدية الفعل بعلى لتضمنه ما يتعدى به وهو الإظهار والاعلاء أي جعلكم ذوي غلبة تامة. أخرج الإمام أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في آخرين عن أنس قال: لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه