للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمانون رجلا من أهل مكة في السلاح من قبل جبل التنعيم يريدون غرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدعا عليهم فأخذوا فعفا عنهم فنزلت هذه الآية وَهُوَ الَّذِي كَفَّ إلخ،

وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن عبد الله بن معقل قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أصل الشجرة التي قال الله تعالى في القرآن إلى أن قال: فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا إلى وجوهنا فدعا عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخذ الله تعالى بأسماعهم ولفظ الحاكم بأبصارهم، فقمنا إليهم فأخذناهم فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هل جئتم في عهد أحد أو هل جعل لكم أحد أمانا؟ فقالوا: لا فخلى سبيلهم فأنزل الله تعالى وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ

إلخ.

وأخرج أحمد وغيره عن سلمة بن الأكوع قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن أربع عشرة مائة ثم إن المشركين من أهل مكة راسلونا إلى الصلح فلما اصطلحنا واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فاضطجعت في ظلها فأتاني أربعة من مشركي أهل مكة فجعلوا يقعون في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأبغضتهم وتحولت إلى شجرة أخرى فعلقوا سلاحهم واضطجعوا فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل ما للمهاجرين قتل بن زنيم فاخترطت سيفي فاشتدت على أولئك الأربعة وهم رقود فأخذت سلاحهم وجعلته في يدي ثم قلت: والذي كرم وجه محمد لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجاء عمي عامر برجل يقال له مكرز من المشركين يقوده حتى وقفنا بهم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سبعين من المشركين فنظر إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال:

دعوهم يكون لهم بدء الفجور وثناه فعفا عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنزل الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَ

إلخ، وهذا كله يؤيد ما قلناه،

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن أبزى قال: لما خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم بالهدى وانتهى إلى ذي الحليفة قال له عمي: يا نبي الله تدخل على قوم لك حرب بغير سلاح ولا كراع فبعث إلى المدينة فلم يدع فيها كراعا ولا سلاحا إلا حمله فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل فسار حتى أتى منى فنزل بها فأتاه عينه أن عكرمة ابن أبي جهل قد جمع عليك في خمسمائة فقال لخالد بن الوليد: يا خالد هذا ابن عمك قد أتاك في الخيل فقال خالد: أنا سيف الله وسيف رسوله فيومئذ سمى سيف الله يا رسول الله ارم بي إن شئت فبعثه على خيل فلقيه عكرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة فأنزل الله تعالى وَهُوَ الَّذِي الآية

. وفي البحر أن خالدا هزمهم حتى دخلوا بيوت مكة وأسر منهم جملة فسيقوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمنّ عليهم وأطلقهم، والخبر غير صحيح لأن إسلام خالد رضي الله تعالى عنه بعد الحديبية قبل عمرة القضاء، وقيل بعدها وهي في السنة السابعة.

وروى ابن إسحاق وغيره أن خالدا كان يوم الحديبية على خيل قريش في مائتي فارس قدم بهم إلى كراع الغميم فدنا حتى نظر إلى أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عباد بن بشر فتقدم بخيله فقام بإزائه وصف أصحابه وحانت صلاة الظهر فصلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأصحابه صلاة الخوف، وعن ابن عباس أن أهل مكة أرسلوا جملة من الفوارس في الحديبية يريدون الوقيعة بالمسلمين فأظهرهم الله تعالى عليهم بالحجارة حتى أدخلوهم البيوت، وأنكر بعضهم ذلك والله تعالى أعلم بصحة الخبر.

وقيل: كان هذا الكف يوم فتح مكة، واستشهد الإمام أبو حنيفة بما في الآية من قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ بناء على هذا القول لفتح مكة عنوة. واعترض القول المذكور والاستشهاد بالآية بناء عليه، أما الأول فلأن الآية نزلت قبل فتح مكة. وتعقب بأنه إن أريد أنها نزلت بتمامها قبله فليس بثابت بل بعض الآثار يشعر بخلافه وإلا فلا يفيد مع أنه يجوز أن يكون هذا إخبارا عن الغيب كما قيل ذلك في غيره من بعض آيات السورة، وأما الثاني فلأن دلالتها على العنوة ممنوعة، فقد قال الزمخشري: الفتح هو الظفر بالشيء سواء كان عنوة أو صلحا، والفرق بين الظفر

<<  <  ج: ص:  >  >>