للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلّى الله عليه وسلّم وقد تقدم إنذارهم لولا ما سلبوا من التوفيق، وفيه ما فيه سواء رجح ضمير أَلْزَمَهُمْ إلى كفار مكة أيضا أم لا، وأظن في قائله نزغة رافضية دعته إلى ذلك لكنه لا يتم به غرضه، وقيل: ضمير كانُوا للمؤمنين إلا أن ضميري بِها وَأَهْلَها للسكينة، وفيه ارتكاب خلاف الظاهر من غير داع، وقيل: هما لمكة أي وكانوا أحق بمكة أن يدخلوها وأهلها، وأشعر بذكر مكة ذكر المسجد الحرام في قوله تعالى: وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وكذا محل الهدي في قوله سبحانه: وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وفيه ما لا يخفى وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً فيعلم سبحانه حق كل شيء واستئهاله لما يستأهله فيسوق عز وجل الحق إلى مستحقه والمستأهل إلى مستأهله أو فيعلم هذا ويعلم ما تقتضيه الحكمة والمصلحة من إنزال السكينة والرضا بالصلح فيكون تذييلا للجميع ما تقدم.

لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنام قبل خروجه إلى الحديبية، وأخرج ابن المنذر وغيره عن مجاهد أنه عليه الصلاة والسلام رأى وهو في الحديبية، والأول أصح، أنه هو وأصحابه دخلوا مكة آمنين وقد حلقوا وقصروا فقص الرؤيا على أصحابه ففرحوا واستبشروا وحسبوا أنهم داخلوها في عامهم وقالوا: إن رؤيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حق فلما تأخر ذلك قال على طريق الاعتراض عبد الله بن أبي وعبد الله بن نفيل ورفاعة بن الحرث: والله ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا المسجد الحرام فنزلت. وقد روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال نحوه على طريق الاستكشاف ليزداد يقينه، وفي رواية أن رؤياه صلّى الله عليه وسلّم إنما كانت أن ملكا جاءه فقال له: لَتَدْخُلُنَّ إلخ، والمعنى لقد صدقه سبحانه في رؤياه على أنه من باب الحذف والإيصال كما في قولهم: صدقني سن بكره، وتحقيقه أنه تعالى أراه الرؤيا الصادقة.

وقال الراغب: الصدق يكون بالقول ويكون بالفعل وما في الآية صدق بالفعل وهو التحقيق أي حقق سبحانه رؤيته. وفي شرح الكرماني كذب يعتدي إلى مفعولين يقال: كذبني الحديث وكذا صدق كما في الآية، وهو غريب لتعدي المثقل لواحد والمخفف لمفعولين انتهى. وفي البحر صدق يتعدى إلى اثنين الثاني منهما بنفسه وبحرف الجر تقول صدقت زيدا الحديث وصدقته في الحديث، وقد عدها بعضهم في أخوات استغفر وأمر والمشهور ما أشرنا إليه أولا بِالْحَقِّ صفة لمصدر محذوف أي صدقا ملتبسا بالحق أي بالفرض الصحيح والحكمة البالغة وهو ظهور حال المتزلزل في الإيمان والراسخ فيه، ولأجل ذلك أخر وقوع الرؤيا إلى العام القابل أو حال من الرؤيا أي ملتبسة بالحق ليست من قبيل أضغاث الأحلام، وجوز كونه حالا من الاسم الجليل وكونه حالا من رَسُولَهُ وكونه ظرفا لغوا.

لصدق. وكونه قسما بالحق الذي هو من أسمائه عز وجل أو بنقيض الباطل، وقوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ عليه جواب القسم والوقف على الرُّؤْيا وهو على جميع ما تقدم جواب قسم مقدر والوقف على بِالْحَقِّ أي والله لتدخلن إلخ، وقوله سبحانه: إِنْ شاءَ اللَّهُ تعليق للعدة بالمشيئة لتعليم العباد، وبه ينحل ما يقال:

إنه تعالى خالق للأشياء كلها وعالم بها قبل وقوعها فكيف وقع التعليق منه سبحانه بالمشيئة، وفي معنى ما ذكر قول ثعلب: استثنى سبحانه وتعالى فيما يعلم ليستثنى الخلق فيما لا يعلمون.

وفيه تعريض بأن وقوع الدخول من مشيئته تعالى لا من جلادتهم وتدبيرهم، وذكر الخفاجي أنه قد وضع فيه الظاهر موضع الضمير وأصله لتدخلنه لا محالة إلا إن شاء عدم الدخول فهو وعد لهم عدل به عن ظاهره لأجل التعريض بهم والإنكار على المعترضين على الرؤيا فيكون من باب الكناية انتهى. وقد أجيب عن السؤال بغير ذلك فقيل: الشك راجع إلى المخاطبين، وفيه شيء ستعلمه قريبا إن شاء الله تعالى وقال الحسين بن الفضل: إن التعليق راجع إلى دخولهم جميعا وحكي ذلك عن الجبائي، وقيل: إنه ناظر إلى الأمن فهو مقدم من تأخير أي لتدخلنه حال كونكم

<<  <  ج: ص:  >  >>