آمِنِينَ من العدو إن شاء الله. وردهما في الكشف فقال: أما جعله قيد دخولهم بالأسر أو الأمن ففيه أن السؤال بعد باق لأن الدخول المخصوص أيضا خبر من الله تعالى وهو ينافي الشك، وليس نظير قول يوسف عليه السلام: ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ [يوسف: ٩٩] إذ لا يبعد أن لا يعرف عليه السلام مستقر الأمر من الأمن أو الخوف فإما أن يؤول بأن الشك راجع إلى المخاطبين أو بأنه تعليم، والثاني أولى لأن تغليب الشاكين لا يناسب هذا المساق بل الأمر بالعكس. ودفع وروده على الحسين بأن المراد أنه في معنى ليدخلنه من شاء الله دخوله منكم فيكون كناية عن أن منهم من لا يدخله لأن أجله يمنعه منه فلا يلزم الرجوع لما ذكر.
وقيل: هو حكاية لما قاله ملك الرؤيا له صلّى الله عليه وسلّم وإليه ذهب ابن كيسان أو لما قاله هو عليه الصلاة والسلام لأصحابه. ورده صاحب التقريب بأنه كيف يدخل في كلامه تعالى ما ليس منه بدون حكاية. ودفع بأن المراد أن جواب القسم بيان للرؤيا وقائلها في المنام الملك وفي اليقظة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فهي في حكم المحكي في دقيق النظر كأنه قيل: وهي قول الملك أو الرسول لتدخلن إلخ، وأنت تعلم أن هذا وإن صحح النظم الكريم لا يدفع البعد، وقد اعترض به على ذلك صاحب الكشف لكنه ادعى أن كونه حكاية ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام أقل بعدا من جعله من قول الملك، وقال أبو عبيدة. وقوم من النحاة: إِنْ بمعنى إذ وجعلوا من ذلك قوله تعالى: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: ١٣٩]
وقوله صلّى الله عليه وسلّم في زيارة القبور: «أنتم السابقون وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون»
والبصريون لا يرتضون ذلك، وقوله تعالى: مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ حال كآمنين من الواو المحذوفة لالتقاء الساكنين من قوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ إلا أن آمنين حال مقارنة وهذا حال مقدرة لأن الدخول في حال الإحرام لا في حال الحلق والتقصير، وجوز أن يكون حالا من ضمير آمِنِينَ والمراد محلقا بعضكم رأس بعض ومقصرا آخرون ففي الكلام تقدير أو فيه نسبة ما للجزء إلى الكل، والقرينة عليه أنه لا يجتمع الحلق وهو معروف والتقصير وهو أخذ بعض الشعر فلا بد من نسبة كل منهما لبعض منهم، وقوله تعالى: لا تَخافُونَ حال من فاعل لَتَدْخُلُنَّ أيضا لبيان الأمن بعد تمام الحج وآمِنِينَ فيما تقدم لبيان الأمن وقت الدخول فلا تكرار أو حال من الضمير المستتر في آمِنِينَ فإن أريد به معنى آمنين كان حالا مؤكدة، وإن أريد لا تخافون تبعة في الحلق أو التقصير ولا نقص ثواب فهو حال مؤسسة، ولا يخفى الحال إذا جعل حالا من الضمير في مُحَلِّقِينَ أو مُقَصِّرِينَ، وجوز أن يكون استئنافا بيانيا في جواب سؤال مقدر كأنه قيل: فكيف الحال بعد الدخول؟ فقيل: لا تخافون أي بعد الدخول.
واستدل بالآية على أن الحلق غير متعين في النسك بل يجزىء عنه التقصير، وظاهر تقديمه عليه أنه أفضل منه وهو الذي دلت عليه الأخبار في غير النساء.
أخرج الشيخان وأحمد وابن ماجه عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللهم اغفر للمحلقين قالوا: يا رسول الله والمقصرين قال: اللهم اغفر للمحلقين ثلاثا قالوا: يا رسول الله والمقصرين قال: والمقصرين»
وأما في النساء
فقد أخرج أبو داود والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس على النساء حلق وإنما على النساء التقصير»
والسنة في الحلق أن يبدأ بالجانب الأيمن،
فقد أخرج ابن أبي شيبة عن أنس أنه رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم قال للحلاق هكذا وأشار بيده إلى جانب الأيمن
وإن يبلغ به إلى العظمين كما قال عطاء.
وأخرج ابن أبي شيبة أيضا عن ابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم أنهما كانا يقولان للحلاق ابدأ بالأيمن وابلغ بالحلق العظمين، واستدل بالآية أيضا على أن التقصير بالرأس دون اللحية وسائر شعر البدن إذ الظاهر أن المراد ومقصرين رؤوسكم أي شعرها لظهور أن الرؤوس أنفسها لا تقصر فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا الظاهر عطفه على لَقَدْ صَدَقَ فالترتيب باعتبار التعلق الفعلي بالمعلوم أي فعلم عقيب ما أراه الرؤيا الصادقة ما لم تعلموا من الحكمة الداعية