مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أي هو أو ذلك الرسول المرسل بالهدى ودين الحق محمد على أن الاسم الشريف خبر مبتدأ محذوف ورَسُولُ اللَّهِ عطف بيان أو نعت أو بدل، والجملة استئناف مبين لقوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ وهذا هو الوجه الأرجح الأنسب بالمساق كما في الكشف ويؤيده نظرا إلى بعض ما يأتي من الأوجه إن شاء الله تعالى قراءة ابن عامر في رواية رَسُولُ بالنصب على المدح، وقوله تعالى: وَالَّذِينَ مَعَهُ مبتدأ خبره قوله سبحانه: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ وقال أبو حيان: الظاهر أن مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مبتدأ وخبر والجملة عليه مبينة للمشهود به، أما على كونه الرسالة فظاهر، وأما على كونه محقق الوعد فقيل: لأن كينونة ما وعده لازمة لكونه عليه الصلاة والسلام رسول الله إذ هو لا يوعد إلا بما هو محقق ولا يخبر إلا عن كل صدق.
وجوز كون مُحَمَّدٌ مبتدأ ورَسُولُ تابعا له وَالَّذِينَ مَعَهُ عطفا عليه والخبر عنه وعنهم قوله تعالى:
أَشِدَّاءُ إلخ.
وقرأ الحسن «أشدّاء» . «رحماء» بنصبهما فقيل على المدح وقيل على الحال، والعامل فيهما العامل في مَعَهُ فيكون الخبر على هذا الوجه جملة تَراهُمْ الآتي وكذا خبر الَّذِينَ على الوجه الأول، والمراد بالذين معه عند ابن عباس من شهد الحديبية، وقال الجمهور: جميع أصحابه صلّى الله عليه وسلّم ورضي الله تعالى عنهم، وأَشِدَّاءُ جمع شديد ورُحَماءُ جمع رحيم، والمعنى أن فيهم غلظة وشدة على أعداء الدين ورحمة ورقة على إخوانهم المؤمنين، وفي وصفهم بالرحمة بعد وصفهم بالرحمة بعد وصفهم بالشدة تكميل واحتراس فإنه لو اكتفى بالوصف الأول لربما توهم أن مفهوم القيد غير معتبر فيتوهم الفظاظة والغلظة مطلقا فدفع بإرداف الوصف الثاني، ومآل ذلك أنهم مع كونهم أشداء على الأعداء رحماء على الاخوان، ونحوه قوله تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ [المائدة: ٥٤] وعلى هذا قوله:
حليم إذا ما الحلم زين أهله ... على أنه عند العدو مهيب
وقد بلغ كما روي عن الحسن من تشددهم على الكفار أنهم كانوا يتحرزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم ومن أبدانهم أن تمس أبدانهم وبلغ من ترحمهم فيما بينهم أنه كان لا يرى مؤمن مؤمنا إلا صافحه وعانقه. والمصافحة لم يختلف فيها الفقهاء.
أخرج أبو داود عن البراء قال «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله واستغفراه غفر لهما»
وفي رواية الترمذي «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا»
وفي الاذكار النووية أنها مستحبة عند كل لقاء وأما ما اعتاده الناس بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له ولكن لا بأس به، فإن أصل المصافحة سنة وكونهم محافظين عليها في بعض الأحوال ومفرطين في كثير منها لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها، وجعل ذلك العز بن عبد السلام في قواعده من البدع المباحة، وأطال الشيخ إبراهيم الكوراني قدس سره الكلام في ذلك، وأما المعانقة فقال الزمخشري: كرهها أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وكذلك التقبيل قال: لا أحب أن يقبل الرجل من الرجل وجهه ولا يده ولا شيئا من جسده، ورخص أبو يوسف عليه الرحمة المعانقة ويؤيد ما
روي عن الإمام ما أخرجه الترمذي عن أنس قال: «سمعت رجلا يقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أينحني له؟ قال: لا قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا قال: أيأخذ بيده ويصافحه؟ قال:
نعم»
وفي الاذكار التقبيل وكذا المعانقة لا بأس به عند القدوم من سفر ونحوه، ومكروه كراهة تنزيه في غيره، وللأمرد الحسن حرام بكل حال.
أخرج الترمذي وحسنه عن عائشة قالت: قدم زيد بن خالد بن حارثة المدينة ورسول الله في بيتي فقرع الباب فقام إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجر ثوبه فاعتنقه وقبله، وزاد رزين في حديث أنس السابق بعد قوله: ويقبله قال: «لا إلا أن يأتي