على لا حب لا يهتدى بمناره فالمعنى يوم لا يكون لهم كيد ولا إغناء وهو كثير في القرآن وباب من أبواب البلاغة والإحسان، وقيل: هو يوم القيامة- وعليه الجمهور- وفيه بحث، وقيل: هو يوم موتهم، وتعقب بأن فيه ما فيه مع أنه تأباه الإضافة المنبئة عن اختصاصه بهم فلا تغفل وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ من جهة الغير في دفع العذاب عنهم وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا أي لهم ووضع الموصول موضع الضمير لما ذكر قبل وجوز العموم وهم داخلون دخولا أوليا عَذاباً آخر دُونَ ذلِكَ دون ما لا قوه من القتل أي قبله وهو- كما قال مجاهد- القحط الذي أصابهم سبع سنين.
وعن ابن عباس هو ما كان عليهم يوم بدر والفتح، وفسر دُونَ ذلِكَ بقبل يوم القيامة بناء على كون يومهم الذي فيه يصعقون ذلك، وعنه أيضا. وعن البراء بن عازب أنه عذاب القبر وهو مبني على نحو ذلك التفسير، وذهب إليه بعضهم بناء على أن دُونَ ذلِكَ بمعنى وراء ذلك كما في قوله:
يريك القذى من دونها وهو دونها وإذا فسر اليوم بيوم القيامة ونحوه، ودُونَ ذلِكَ بقبله، وأريد العموم من الموصول فهذا العذاب عذاب القبر، أو المصائب الدنيوية، وفي مصحف عبد الله- دون ذلك تقريبا- وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ إن الأمر كما ذكر، وفيه إشارة إلى أن فيهم من يعلم ذلك وإنما يصر على الكفر عنادا، أو لا يعملون شيئا.
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ بإمهالهم إلى يومهم الموعود وإبقائك فيما بينهم مع مقاساة الأحزان ومعاناة الهموم فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا أي في حفظنا وحراستنا، فالعين مجاز عن الحفظ، ويتجوز بها أيضا عن الحافظ وهو مجاز مشهور، وفي الكشاف هو مثل أي بحيث نراك ونكلؤك، وجمع العين هنا لإضافته إلى ضمير الجمع ووحد في «طه» لإضافته إلى ضمير الواحد، ولوح الزمخشري- في سورة المؤمنين- إلى أن فائدة الجمع الدلالة على المبالغة في الحفظ كأن معه من الله تعالى حفاظا يكلؤونه بأعينهم، وقال العلامة الطيبي: إنه أفرد هنالك لإفراد الفعل وهو كلاءة موسى عليه السلام، وهاهنا لما كان لتصبير الحبيب على المكايد ومشاق التكاليف والطاعات ناسب الجمع لأنها أفعال كثيرة كل منها يحتاج إلى حراسة منه عز وجل انتهى، ومن نظر بعين بصيرته علم من الآيتين الفرق بين الحبيب والكليم عليهما أفضل الصلاة وأكمل التسليم، ثم إن الكلام في نظير هذا على مذهب السلف مشهور، وقرأ أبو السمال «بأعينّا» بنون مشددة وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أي قل سبحان الله ملتبسا بحمده تعالى على نعمائه الفائتة الحصر، والمراد سبحه تعالى واحمده حِينَ تَقُومُ من كل مجلس قاله عطاء ومجاهد وابن جبير،
وقد صح من رواية أبي داود والنسائي وغيرهما عن أبي برزة الأسلمي «أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقول إذا أراد أن يقوم من المجلس:
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك فسئل عن ذلك فقال: كفارة لما يكون في المجلس»
والآثار في ذلك كثيرة، وقيل: حين تقوم إلى الصلاة، أخرج أبو عبيد وابن المنذر عن سعيد بن المسيب قال:«حق على كل مسلم حين يقوم إلى الصلاة أن يقول: سبحان الله وبحمده لأن الله تعالى يقول لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ» وأخرج سعيد بن منصور وغيره عن الضحاك أنه قال في الآية:
حين تقوم إلى صلاة تقول هؤلاء الكلمات «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك» وحكاه في البحر عن ابن عباس وأخرج عنه ابن مردويه أنه قال: «سبح بحمد ربك حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل في الصلاة» وروي نحوه عن ابن السائب، وقال زيد أسلم:«حين تقوم من القائلة والتسبيح إذ ذاك هو صلاة الظهر» وقوله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ إفراد لبعض الليل بالتسبيح لما أن العبادة فيه أشق على النفس وأبعد عن الرياء كما