يلوح به تقديمه على الفعل وَإِدْبارَ النُّجُومِ أي وقت إدبارها من آخر الليل أي غيبتها بضوء الصباح، وقيل:
التسبيح من الليل صلاة المغرب والعشاء، وَإِدْبارَ النُّجُومِ ركعتا الفجر، وعن عمر رضي الله تعالى عنه وعلي كرم الله تعالى وجهه وأبي هريرة والحسن رضي الله تعالى عنهما التسبيح من الليل النوافل: وإِدْبارَ النُّجُومِ ركعتا الفجر، وقرأ سالم بن أبي الجعد والمنهال بن عمرو ويعقوب- أدبار- بفتح الهمزة جمع دبر بمعنى عقد أي في أعقابها إذا غربت، أو خفيت بشعاع الشمس.
هذا ونظم الآيات من قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ [الطور: ٣٠] إلى قوله سبحانه: أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ إلخ فيه غرابة ولم أر أحدا كشف عن لثامه كصاحب الكشف جزاه الله تعالى خيرا، ولغاية حسنه- وكونه مما لا مزيد عليه- أحببت نقله بحذافيره لكن مع اختصار ما، فأقول: قال: أومأ الزمخشري إلى وجهين في ذلك في قوله تعالى:
بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ [الأنبياء: ٥] : أحدهما أنه حكاية قولهم المضطرب على وجهه، والثاني أنه تدرج منه سبحانه في حكاية ما قالوه من المنكر إلى ما هو أدخل فيه، والأول ضعيف فيما نحن فيه لأن ما سيق له الكلام ليس اضطراب أقوالهم فتحكى على ما هي عليه بل تسليته عليه الصلاة والسلام وأنه لا محالة ينتقم له منهم وأن العذاب المكذب به واقع بهم جزاء لتكذيبهم بالمنبئ والنبأ والمنبأ به، فالمتعين هو الثاني، ووجهه- والله تعالى أعلم- أن قوله: فَذَكِّرْ معناه إذ ثبت كون العذاب واقعا وكون الفريقين المصدقين والمكذبين مجزيين بأعمالهم، وإنك على الحق المبين الذي من كذب به استحق الهوان، ومن صدق استحق الرضوان فدم على التذكير ولا تبال بما تكايد فإنك أنت الغالب حجة وسيفا في هذه الدار، ومنزلة ورفعة في دار القرار، ومن قوله تعالى: فَما أَنْتَ إلى قوله سبحانه: هُمُ الْمَكِيدُونَ تفصيل هذا المجمل مع التعريض بفساد مقالاتهم الحمقاء وأنهم بمرأى من الله تعالى ومسمع فلا محالة ينتقم لنبيه عليه الصلاة والسلام منهم، وفيه أن النبي صلّى الله عليه وسلم من الله تعالى بمكان لا يقادر قدره فهو شدّ من عضد التسلي، وقوله سبحانه: فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ [الطور: ٢٩] إلخ فيه أن من أنعم عليه بالنبوة يستحيل أن يكون أحد هذين، وبدأ بقولهم المتناقض لينبه أولا على فساد آرائهم ويجعله دستورا في إعراضهم عن الحق وإيثار اتباع أهوائهم فما أبعد حال من كان أتقنهم رأيا وأرجحهم عقلا وأبينهم آيا منذ ترعرع الى أن بلغ الأشدّ عن الجنون والكهانة على أنهما متناقضان لأن الكهان كانوا عندهم من كامليهم وكان قولهم إماما متبعا عندهم فأين الكهانة من الجنون، ثم ترقى مضربا إلى قولهم فيه وحاشاه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه شاعر لأنه أدخل في الكذب من الكاهن والمجنون وقديما قيل: أحسن الشعر أكذبه ليبين حال تلجلجهم واضطرابهم، وقوله تعالى: قُلْ تَرَبَّصُوا [الطور: ٣١] من باب المجازاة بمثل صنيعهم وفيه تتميم للوعيد، فهذا باب من إنكارهم هدمه سبحانه أولا تلويحا بقوله تعالى: بِنِعْمَةِ رَبِّكَ وثانيا تصريحا بقوله جل وعلا. أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ [الطور: ٣٢] كأنه قيل دعهم وتلك المقالة وما فيها من الاضطراب ففيها عبرة، ثم قيل: لا بل ذلك من طغيانهم لأنه أدخل في الذم من نقصان العقل وأبلغ في التسلية لأن من طغى على الله عز وجل فقد باء بغضبه، ثم أخذ في باب أوغل في الإنكار وهو نسبة الافتراء إليه صلى الله تعالى عليه وسلم وذلك لأن الافتراء أبعد شيء من حاله لاشتهاره بالصدق على أن كونه افتراء وعجزهم عن الإتيان بأقصر سورة من هذا المفتري متنافيان لدلالته على الصدق على ما مر- في الأحقاف- ولأن الشاعر لا يتعمد الكذب لذاته، ثم قد يكون شعره حكما ومواعظ وهو لا ينسب فيه إلى عار، والتدرج عن الشعر هاهنا عكس التدرج اليه في الأنبياء لأن بناء الكلام هاهنا على التدرج في المناقضة والتوغل في القدح فيه عليه الصلاة والسلام ونفي رسالته، وهنالك عن القدح في بعض من الذكر متجدد النزول فقيل: إن افتراءه لا