وثناياك إنها إغريض والخطاب لقريش وإيراده عليه الصلاة والسلام بعنوان المصاحبة لهم للإيذان بوقوفهم على تفاصيل أحواله الشريفة وإحاطتهم خبرا ببراءته صلى الله تعالى عليه وسلم مما نفي عنه بالكلية وباتصافه عليه الصلاة والسلام بغاية الهدى والرشاد فإن طول صحبتهم له عليه الصلاة والسلام ومشاهدتهم لمحاسن شؤونه العظيمة مقتضية لذلك حتما ففي ذلك تأكيد لإقامة الحجة عليهم، واختلف في متعلق إذا قال بعضهم: فاوضت جار الله في قوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى فقال: العامل فيه ما تعلق به الواو فقلت: كيف يعمل فعل الحال في المستقبل؟! وهذا لأن معناه أقسم الآن لا أقسم بعد هذا، فرجع وقال: العامل فيه مصدر محذوف، والتقدير- وهوى النجم إذا هوى- فعرضته على بعض المشايخ فلم يستحسن قوله الثاني، والوجه تعلقه بأقسم وهو قد انسلخ عنه معنى الاستقبال وصار للوقت المجرد ونحوه آتيك إذا احمر البسر أي وقت احمراره، وقال عبد القاهر: إخبار الله تعالى بالمتوقع يقام مقام الإخبار بالواقع إذا لا خلف فيه فيجري المستقبل مجرى المحقق الماضي، وقيل: إنه متعلق بعامل هو حال من النجم، وأورد عليه أن الزمان لا يكون خبرا ولا حالا عن جثة كما هنا، وأن إِذا للمستقبل فكيف يكون حالا إلا أن تكون حالا مقدرة أو تجرد إِذا لمطلق الوقت كما يقال بصحية الحالية إذا أفادت معنى معتدا به، فمجيء الزمان خبرا أو حالا عن جثة ليس ممنوعا على الإطلاق كما ذكره النحاة، أو النجم لتغيره طلوعا وغروبا أشبه الحدث، والإنصاف أن جعله حالا كتعلقه بمصدر محذوف ليس بالوجه، وإنما الوجه،- على ما قيل- ما سمعت من تعلقه بأقسم منسلخا عنه معنى الاستقبال وهو الذي اختاره في المغني، وتخصيص القسم بوقت الهوي ظاهر على الأخير من الأقوال الثلاثة، وأما على الأولين فقيل: لأن النجم لا يهتدي به الساري عند كونه في وسط السماء ولا يعلم المشرق من المغرب ولا الشمال من الجنوب، وإنما يهتدي به عند هبوطه، أو صعوده مع ما فيه من كمال المناسبة لما سيحكى من التدلي والدنو، وقيل: لدلالته على حدوثه الدال على الصانع وعظيم قدرته عز وجل كما قال الخليل على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأكمل السلام لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ [الأنعام: ٧٦] وسيأتي إن شاء الله تعالى آخر الكتاب تمام الكلام في تحقيق إعراب مثل هذا التركيب فلا تغفل وَما يَنْطِقُ أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لتقدم ذكره في قوله سبحانه:
صاحِبُكُمْ والنطق مضمن معنى الصدور فلذا عدي بعن في قوله تعالى: عَنِ الْهَوى وقيل: هي بمعنى الباء وليس بذاك أي ما يصدر نطقه فيما آتاكم به من جهته عز وجل كالقرآن، أو من القرآن عن هوى نفسه ورأيه أصلا فإن المراد استمرار النفي كما مر مرارا في نظائره إِنْ هُوَ أي ما الذي ينطق به من ذلك أو القرآن وكل ذلك مفهوم من السياق إِلَّا وَحْيٌ من الله عز وجل يُوحى يوحيه سبحانه إليه، والجملة صفة مؤكدة لوحي رافعة لاحتمال المجاز مفيدة للاستمرار التجددي، وقيل: ضمير يَنْطِقُ للقرآن فالآية كقوله تعالى: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ [الجاثية: ٢٩] وهو خلاف الظاهر، وقيل: المراد ما يصدر نطقه عليه الصلاة والسلام مطلقا عن هوى وهو عائد لما ينطق به مطلقا أيضا.
واحتج بالآية على هذا التفسير من لم ير الاجتهاد له عليه الصلاة والسلام كأبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم، ووجه الاحتجاج أن الله تعالى أخبر بأن جميع ما ينطق به وحي وما كان عن اجتهاد ليس بوحي فليس مما ينطق، وأجيب بأن الله تعالى إذا سوغ له عليه الصلاة والسلام الاجتهاد كان الاجتهاد وما يسند إليه وحيا لا نطقا عن الهوى، وحاصله منع كبر القياس، واعترض عليه بأنه يلزم أن تكون الأحكام التي يستنبطها المجتهدون بالقياس وحيا، وأجيب بأن النبي عليه الصلاة والسلام أوحى إليه أن يجتهد بخلاف غيره من المجتهدين، وقال القاضي البيضاوي: إنه حينئذ